لحظات عابرة

عندما تلم بك الرغبة في البكاء

بخطوات ثقيلة زحفت من سريرها إلى المرآة، ألقت نظرة خاطفة عليها محاولة ربط صِلة الرحم مع وجهها، فعشرة أيام ليست بالقليلة حتى لا يدفعها القلق لتفقُّدِه والاطمئنان عليه!

«لستَ مهزومًا ما دمتَ تقاوم» كرّرَتْ مقولة المهدي عامل، بحماسِ طفلٍ سَيَلِج للمرة الأولى إلى المدرسة وتوجهت صوب أصوات متشابكة فيما بينها، جلست وسط مصادرها؛ نساء لا يجدن سوى الثرثرة، تمعنت جيدا النظر في وجه جارتهم فاطمة الزهراء، شابة في بداية عقدها الثالث، لكنها شاخت قبل الأوان بعد خيانات متتالية من زوجها السكير وأوفى صديق للسجائر. ليس باليد حيلة والطلاق آخر حل قد تدق بابه يوما ما، إذ لا تمتلك أية شهادة تخول لها وظيفة مرموقة وراتباً لا بأس به تسد من خلاله حاجياتها رفقة أطفالها الخمسة.

صورة تعبيرية

وجهت تركيزها إلى الخارج عبر نافذةٍ أكل عليها الدهر وشرب، لتذرف دموعا ساخنة وهي تشهد على فرحة طفلة تحتضن دمية تلقتها للتو كهدية من والدها، لقد ذكرتها بتلك الطفلة التي كانتها قبل أعوام وهي ترفع شعارات داخل حلقيات نضالية أمام البرلمان، شعاراتٌ حفظتْها بصعوبة بالغة وحب أسطوري! فخاضت حربا شرسة على ذاكرتها لأيام عديدة، لعل هذه الأخيرة تحتوي هؤلاء المهاجرين وتقبل بهم كمواطنين فتمدَّهم بحقوقهم.

تحمل هاتفها بهدوء وسط كل هذا الصخب وتشرع في كتابة نصوص تبوح من خلالها بكل ما يجول في خاطرها، نصوص مليئة بالأخطاء؛ لكنها في كل مرة يخبرها أحدهم بهذه الحقيقة -والتي تراها سوى دعوة بطريقة غير مباشرة تحثها على التوقف-. وبالتالي إخراج الحروف الأسيرة من سجنها، تُجيبه ببرودة وابتسامة عفوية:

أعتبر هذه السطور جنينا من رحمي ولو كان مشوه المعالم، من واجبي كأم الإعتراف به تحت أي ظرف كان. تراودها مجددا تلك الفكرة ألا و هي خط رسالة وداع قريبة من تلك لتشيخوف والسقوط من سطح أول بناية عالية تصادفها، لكن في أوقات الشدائد والابتلاءات الربانية، من سيلعب دورَي المهرّج والمرأة العجوز صاحبة العقل الحكيم في آن واحد !؟

بعدما سمعَتْ والدتي خرير رشاش المياه سألتني:
ماذا بك تستحمين في هذا الوقت المتأخر، أ جُنِنْتِ يا فتاة؟
المسكينة لا تعلم برغبتي في البكاء دون أن أرى دموعي!

منال رجاء في الله

تقرؤون أيضاً على زوايا

لحظات عابرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *