القلعة الحمراء

المعلمةالتاريخية التي تتواجد باقليم الحسيمة

أيتها الواقفة هناك بثوبك الأحمر القاني
المطرز بالأبيض السحابي
سلام عليك
وعلى أهل الوادي ألف سلام وسلام
سلام على كل من رأيناه
فأجج في دواخلنا نسائم الطفولة
وعطر المكان بعبق الزمن الجميل
سلام على كل من لمحناه
فجعل قلوبنا تنبض وتقول:
لقد مررنا من هنا
سلام على كل من لازالت تقاسيمه تذكرنا
بتفاصيل الايام الخوالي
التي أصبحت تختفي يوما بعد يوم
وراء دخان كثيف ولا يكاد يبين

***********************************
سيدتي الحمراء
في صغري كنت أنظر إليك من أسفل الوادي
فأراك واقفة شامخة تكابرين
وبعدها صرت أراك من الطريق المار بجانبك
جالسة حزينة تتوسلين
واليوم أصبحت أراك من خلال بقعة ضوء على هاتفي
وقد نفض عنك الغبار
واسترجعت ألوانك وإشراقتك البهية
فشكرا لتلك الأيادي التي رممت جراحاتك و شقوقك
شكرا لمن جعلك تصمدين اكثر

***********************************
قد يستغرب البعض كل هذا الاحتفاء بك
ويراك معلمة سوداء
مخضبة بدماء حمراء
فكل زاوية من زواياك
قد شهدت صراخا ونحيبا وألما كبيرا
فكل ركن من أركانك
تذكر أهل الوادي والجبال المحيطة
بأسوء فترة تاريخية مرت عليهم
إبان الاستعمار الاسباني
كانوا يريدون محونا من هذا المكان
فماهم محونا وما نحن محوناك
وقد تستغربين أنت أيضا أيتها الحمراء
لما كل هذا الاهتمام والحب
من أهل الوادي ودواويره؟
وأنت كنت مكانا للسجن والتعذيب
مكانا لتخطيط الغارات والهجمات
باختصار مكانا للقتل وإدارة القتل
يا من تشكلين جزءا من تاريخ هذا المكان
يا من صرت جزءا من هذا الوادي
جزءا من قبيلة بني ورياغل
نحن أهل المكان
ننظر في كل الأرجاء
واديا واديا
جبلا جبلا
عن بناية ترابية…
عن مدينة تاريخية
نبحث عن شيء يخبرنا عن تاريخنا
كيف كان يعيش أجدادنا
عن الرجال والنساء والاطفال والشيوخ
الذين مروا من هنا
نبحث عن ماضي هذا الوادي
وكيف كان
فلا نجد إلا أنت
أقدم قلعة
على طول هذا الوادي
لازالت صامدة
في وجه نوائب الزمن
في وجه غضب الارض والوديان
والانسان

************************************

في صغري
وعلى طول الطريق -المار بجانبك- إلى “مسقط رأسي”
كنت أعد السنابل والاقحوان
وشقائق النعمان
والياسمين
أعد أشجار الصفصاف والزيتون
التي تزين جنبات الطريق
أستمع لثغاء الخرفان
بين الوديان
رحلتي إلى مسقط رأسي
كانت رحلة معطرة بأريج الشيح والخزامى
برائحة التراب المبلل بماء الوادي
سمفونية لأعذب الأشجان….
موالا لقصائد قديمة…
وبمجرد أن ألمحك من بعيد
أنسى كل القصائد والأغان
والأقحوان
والوديان
فلا أرى سواك
قلعة حمراء تلوح في الأفق
وتجتاح بداخلي عاصفة من الاسئلة
ما يثيرني حقا
أنك أول قلعة تراها عيناي
ولحد الآن ما وطأتك قدماي
قيل لنا أنه بداخلك مئة بيت إلا بيتا
وقال بعضهم مئة بيت وبيت
استغربت واستكثرت في صغري
عدد الغرف والبيوت
و آلمتني أعداد الجثث
وأعداد الضحايا الذين قضوا نحبهم فيك
سرا وعلنا
والآن وبعدما مرت كل هذه السنين
لم تعد تهمني الأسئلة
ولا عدد البيوت
ولا عدد النوافذ والشبابيك
وبعد أن مات الحزن بداخلي
وماتت معه الاسئلة
أعدك أني
سأزورك في الربيع القادم
عندما يرحل عنا هذا الوباء
إلى ذلك الحين
دمت صامدة أيتها الواقفة

القلعة الحمراء

سليمة الحدوشي

باحثة في القانون والسياسات البيئية.

تعليق واحد

  1. كتابة رائعة من انامل إنسانة رائعة لمعلمة تاريخية شامخة ورائعة، لازالت صامد في وجه التغيرات العاتية منا البشرية والطبيعية!!!!
    فعلا مكان جميل على الرغم من وعورة الطريق المؤدية اليه ولكنه جدير بالزيارة!! لقد حظيت بشرف زيارة هذا المشيد التاريخي، هذا الشاهد الحضاري على حقبة صراعات بين الإسبان والمغرب….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *