عندما تسقط الأقنعة تتعرى النفوس

اختر محيطك بعناية

نقابل في حياتنا نماذج كثيرة من الناس، منهم من يمنحنا الطاقة الإيجابية ويضيف رونقا ومعنى جميلاً لأيامنا ومنهم من يعكر وينغص علينا صفو حياتنا بسلوكه أو كلماته… فحياتنا أصبحت كمسرح كبير مليء بالشخصيات المتنوعة التي يصعب علينا في أوقات كثيرة أن ندرك حقيقتها وما تخفيه نفوسهم نحونا، وإن كانوا ممن نتعامل معهم بشكل يومي، لأنهم يرتدون أقنعة بعيدة كل البعد عن وجههم الحقيقي.

اذ كلنا نعلم انه كما يختلف كل إنسان عن الآخر في مظهره كذلك يختلف في شخصيته. فكلّ واحد منا يمتلك شخصية مختلفة عن غيره. هناك شخصيات نجدها محببة ومقربة لنا ونرتاح بالتعامل معهم وآخرين نشعر بالضيق والانزعاج لمجرد تواجدهم والحديث معهم، وسأتكلم في هذا المقال عن البعض من تلك شخصيات وهم:

ذو الوجهين، المتعصب للرأي، البخيل وأخيرا الشخصية الحقودة والحسودة وسنتعرف على كل شخصية، ماهي صفاتها وما استراتيجيات التعامل معها.

أولا شخصية ذو الوجهين:
هي شخصية غير ثابتة متذبذبة ليس لها اية مبادئ أو قيم ،نشأت على الكذب والنفاق على من حولها.
ذو الوجهين، نجده يظهر لنا غير الذي يبطنه بداخله، فنراه يقول كلاماً معسولاً لشخص ما وفي داخله يكُّن له كل الشر والحقد. متلون في علاقاته، غير واضح في مواقفه، فما أكثرهم من حولنا بأقنعتهم الزائفة وابتسامتهم المصطنعة، فأقنعتهم هذه ما هي إلا ستار لشخصية مهزوزة من الداخل.

إلا أن حقيقتهم تبقى واضحة ومكشوفة مهما حاولوا وبينوا للناس عكس ذلك، فهم ان دق التعبير أناس غير مؤتمنين.
فالاستراتيجية الأمثل للتعامل مع ذوي الوجهين هي
اولاً: في حال كانوا من المقربين لك (زملاء العمل ،اقارب…الخ) حاول قدر الامكان أن تقلل احتكاك بهم، وتجنب الحديث معهم، تعامل مع هذه الشخصية بحذر و ضمن حدود، اجعل علاقتك بهم سطحية قدر الإمكان، لا تحاول التقرب منهم والخوض في خصوصياتهم، أو حتى مشاركتهم مشاكلك وهمومك أو أي شيء خاص بك.

ببساطة وبإختصار اجعل العلاقة معهم دائماً رسمية ومحدودة جدا تقتصر على السلام بشكل عام والحديث بحدود ومواضيع عامة ان اقتضى الامر.

ثانياً: احسب حساب كل كلمة تقولها مع هذا الصنف، فالشخص ذو الوجهين يحب تفسير الكلام كما يحلو له.( قد تقول كلمة وأنت لا تعني المعنى الذي قاله هو لغيرك عنك.) لذلك احذر من إعطائه أي معلومات شخصية عنك لانه سيعتبرها فرصة لتصيد الأخطاء أو تحوير الكلام.
لذلك تجنُّب التواجد بالقرب منهم و حاول عدم التعامل معهم بشكل شخصيّ ومباشر قدر الإمكان. فالافضل عدم الاستمرار على علاقة وثيقة مع شخص اكتشفت وجهه الحقيقي .
لذا عاهد نفسك من اليوم أن تعيش محافظاً على سلامك الداخلي بتجنب امثال هؤلاء.

صورة تعبيرية

الشخصية المتعصبة للرأي:
كل شخص هو عبارة عن صندوق مقفل، والنقاش هو المفتاح الذي يفتح كل الصناديق المقفلة. فمن خلال المحادثة والمناقشة تأخذ انطباعك الاولي عن الشخص وما يحمله من فكر وعلم وثقافة وتكتشف عقليته اكثر.

فالشخص المتعصب للرأي هو ذاك الذي عندما تحاوره لا يسمع إلا صوته… متشدد برأيه فيرى نفسه دائما على حق وغيره على باطل بلا حجة أو برهان؛ يثور لأتفه سبب، تجده دائما يحاول أن يفرض رأيه بالقوة على الآخرين.

فالحديث معه لن ينتهي، سيبقى يدافع عن وجهة نظره وآرائه حتى آخر نفس، ولن تخرج من هذا الحوار بشيء غير أنك ستفقد أعصابك ..وتقريبا كل منا لديه ولو شخص واحد من هذه النوعية، وربما يكون صديقا أو زميلا أو فردا من العائلة.
نصيحتي الشخصية للتعامل مع هذا النمط .
اولا: اطرح وجهة نظرك بطريقة سلسة ولبقة ومقنعة وحاول أن تقنعه بها دون أن تشعره بأنّه في معركة معك وانه سيخسر الجولة إذا اقتنع بها.
تذكر جيدا أهمية تدعيم وجهة نظرك بالأدلة للرد على اعتراضاته مع التأكيد له على أن لديك العديد من الشواهد التي تؤيد و تثبت أفكارك، وعدم إعطائه الفرصة للمقاطعة، ومن بعدها تبدأ مرحلة تقديم الأفكار الجديدة بالتدرج مع محاولة أن تكون صبوراً في تعاملك معه، لأن الخروج بنتائج مرضية للطرفين هو أصل النقاشات، وإن لم يتحقق ذلك فلا فائدة من النقاش أصلاً.

ثانيا : اذا كان رأسه كما نقول بالعربي الدارج (رأسه تنكة) أي عقله متصلب، فمن الأفضل عندها أن تنظر إليه بعين الشفقة والرحمة كنظرة الطبيب للمريض، وتجنب التصادم معه في أي نقاش، وخاصة النقاشات في المجالات التي تعرفه بأنه غير قابل للجدال والاخذ والعطاء بها، لانه سيعتبر نفسه انه في حلبة صراع معك ولن تصل الى نتيجة مجدية.
لذلك حاول قدر الامكان اختصار النقاشات معه، لأنك سوف تصل في الآخر إلى طريق مسدود.
نقطة مهمة أيضا وعليك ان تأخذها بعين الاعتبار، إن الشخصية المتعصبة للرأي سببها المباشر التنشئة الاجتماعية لان التعصب هو سلوك متعلم وليس فطرياً، فالنشأة في أسرة متعصبة فكريا تميز ضد اللون أو الجنس أو الجنسية او الدين…الخ تغذي روح التعصب والتطرف ضد الآخر؛ فتنتج أشخاصاً متعصبين ومتحجرين ومنغلقين على تقبل الاخر، لان الاسرة هي نواة المجتمع، وتأثير تنشئتها لابد وأن يظهر في شخصية الفرد،لذا من واجبها ان تعلم ابنائها على تقبل كل الأفكار واحترامها (وهذا لا يعني الاقتناع بأفكار غيره بل تقبلها واحترامها) حيث ان الجمود على فكرة واحدة، أو وجه واحد يقتل بقية الآراء والأفكار، فكل شخص حر في رأيه ومن واجب الطرف الآخر تقبل هذا الرأي واحترام صاحبه بعيداً عن التعصب الأعمى أو الاستهانة به.
لذلك وأخيرا، إذا وجدت نفسك ستدخل في جدال عقيم وأن النقاش سيكون مجرد مضيعة للوقت وحرق للأعصاب، جهز طريقة لإغلاق النقاش فورا، لانك لن تنجح في إقناعه بوجهة نظرك ولن تغير فكرته هو ولو كانت خاطئة.

الشخص البخيل :
البخل جزء من صفات الإنسان المكتسبة منذ الصغر فتصبح سمة في شخصيته فالبخيل شحيح في العطاء ليس فقط في ماله بل على كافة الأصعدة، بخيل في مشاعره وحبّه واهتمامه، بخيل حتى في حقّ نفسه وحقّ من حوله، فيحرم نفسَه من جميع الأشياء ولو كانت ضمن احتياجاته، بخيل بالمعلومات والخبرات ولا يريد أن يشارك بها أحدا.
أفضل طريقة للتعامل معه هي تعليمه الكرم من خلال تشجيع الشخص البخيل على العطاء وإبراز أهمية المشاركة مع الآخرين والتقاسم معهم.
فالعطاء تَمَرُّن وتدريب وتعليم، وأساس ذلك يبدأ من البيت، حينما يرى الطفل ممارسة العطاء ماثلة أمامه يوميا، فيتخرج من بيوتنا أجيال معطاءة.

الشخصية الحقودة والحسودة :
عينه في كل شيء تفعله وكل شيء تملكه وكأنه يتمنى زوال النعمة منك وزوال الأشياء الجيدة من يديك ،لا يتوانى عن انتقادك في كل كبيرة وصغيرة، والغيرة المستمرة عنده ظاهرة عليه عادة إذا قمت بشراء شيء أو ان نجحت في عملك وتفوقت فيه تجده يغار من نجاحاتك وعلاقاتك الاجتماعية ومحبة الناس لك..

للشخصية الحقودة و الحسودة نوعان :
نوع خفي (صامت) لا يمكنك اكتشافه بسهولة، يحقد عليك ولا يعلن ذلك، بل و يحاول أن يظهر امامك في صورة المحب أو الناصح إليك. فاحذر من هذا النوع.
ونوع واضح (منطوق ومقروء) يتكلم ويعبر عما في جعبته من احقاد دفينة ،فحقده يكون واضحا في العديد من المواقف..كما يمكنك ان تلاحظ ذلك في عينيه فنظرة الحاقد تظهر في قسمات وجهه بشكل ملحوظ.

أفضل طريقة للتعامل مع الحاقد و الحسود هي الانسحاب التدريجي من حياته وذلك حتى تتجنب حقده عليك وتبتعد عنه بهدوء بحجة انك مشغول ولديك مسؤوليات، حتى لا تترك أثراً سلبياً في نفسه على المدى الطويل فتزداد احقاده.

أما في حال كان فردا من أفراد العائلة أو زميلا في العمل ووجوده مفروض عليك فالأفضل أن لا تتحدث معه عن إنجازاتك ولا تطلعه على أخبارك وامورك الشخصية وما قمت به خصوصاً عندما تحصل معك أمور مفرحة وسعيدة كالنجاحات والترقيات، لأنه لن يفرح معك بل على العكس أنت بذلك تثير حقده الدفين أكثر.

وفي الختام، تذكر ان التعامل مع البشر لا يمكن أن يكون على وتيرة واحدة، فلكل شخصية هناك طريقة تناسبها وتناسب تفكيرها، فالعمر محدود والطاقات كذلك، واختياراتك انت المسؤول عنها؛ لذا اختر جيدا الناس الذين ترغب ان يكونوا ضمن دائرة حياتك، احط نفسك بعلاقات صحية، وضع حدودا لكل سلوك مزعج ولا تسمح لاي شخص مهما كانت صفته ان يفقدك هدوءك وسلامك النفسي ويفسد عليك مزاجك.

عندما تسقط الأقنعة تتعرى النفوس

ابتسام عطالله الرمحين

كاتبة في عدة مجلات و صحف إلكترونية ليسانس ترجمة لغة انكليزية صدر لي كتاب بعنوان من التبرير إلى التغيير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *