من وحي المجتمع المصري

بعد مرور عشر سنوات على الثورة المصرية

نعيش في القرن الواحد والعشرين وما زلنا نحاول، ونطالب، ونبحث عن الحرية والكرامة والعدالة والقومية المصرية المنشودة في وجدان شعبٍ لم يرَ أو يتذوق طعم الحرية والمواطنة والحياة الديمقراطية الحقيقية غير المُغلَّفة بالوهم الزائف والشعارات المتكدِّسة التي تفتقر للمضمون الخالص؛ شعارات وقعَت في قاع الابتذال ومتشبعة بالمصلحة ثم المصلحة الخاصة.

لا أعتقد أن هذا الشعب المجيد قد عاش يوماً واحداً بدون مأساة منذ حُكم المَلكية حتى وقتنا هذا وهو يعاني من كل صغيرة وكبيرة، شعب ظل لعقود وعقود طويلة يتم استغلاله وإيهامه بأن القادم أفضل

لكن يراودني ذلك السؤال الدائم: كيف نطالب بالحرية والتحرر والديمقراطية والعدالة وننادي بالقومية المصرية المنشودة ونحن مازلنا اخصام أنفسنا وبعضنا البعض؟

ألَسْنَا رفاق وأحباب ألسنا أبناء هذا الوطن وهذه الأرض وأحفاد الفراعنة وورثة الحضارة !
فلماذا الصراع ؟ فلماذا التخوين ؟ ولماذا التكفير ؟
وكيف التقدم ونحن متفكِّكون متفرقون أهلٌ للشتات ؟
وفي سياق حديثنا هذ؛ا سنتطرق إلى بعض العقبات والصراعات المستحدثة وغير المُستَحْدَثة في مجتمعنا المصري؛ على أمل أن نتعرف أكثر على أنفسنا كأفراد مجتمع واحد ووطن واحد وندرك كم الثغرات التي بدون ردمها لن نتقدم خطوة واحدة للأمام.

أحمد جاد

النسوية المصرية

بدأت الثورة النسوية المصرية مع بداية عام (2020) حيث تم إكتمال جميع مقومات قيام الثورات والتي تتلخص في كسر حاجز الخوف والصمت، وجود داعمين لقضية معينة، إنشاء حملات دفاع وتنديد وجميع ما سبق هو إثبات لحدوث تحرك حقوقي مناهض حتى ولو كان على أراضي الواقع الافتراضية “السوشيال ميديا

من هنا بدأت حكاية النسوية المصرية وبدأت معها القضايا النسوية وبدأت النقاشات والحوارات الفكرية أو بمعنى أصح “الصراعات المجتمعية”. وأقول ذلك لأن نقاط الضعف لدى النسوية المصرية هي أنها لا تتقبل أي آراء تخالف آرائهم ولا حتى تقوم بدور التوعية لفئة النساء وفتيات مصر الذين لديهم آراء أخرى تخالف رؤية النسوية، “وأؤكد حديثي بحكم اهتمامي ومتابعتي الشمولية لأغلب القضايا التي تطرق على مجتمعي وموطني المجيد ومن ثم تحليل للمشهد وتوثيقه لمن هم قادمين لتكملت الرحلة المصرية

وأيضاً هلع النسوية اتجاه أي آراء دينية التي تقوم بنفي كل من لديه آراء دينية تخص القضايا النسوية، ومما يثير التعجب هو تفضيل النسوية لبعضهم البعض على الرجال حتى لوكان رجل يدعم النسوية وذلك يثير التعجب لأن من أهم قضايا النسوية هي المساواة وعدم التمييز وهذا تناقض في حد ذاته.

هنا يتضح أن النسوية المصرية لا تعمل بالشكل المطلوب والصحيح لأنها تفتقر للإدراك الشمولي للقضية وتفتقر للفهم الكامل لقواعد وأدوات الخوض في الساحة المصرية التي تتضمن التوعية التي لا يقومون بها وتقبل الآراء والأفكار الأخرى وأيضاً ضعف الإلتزام بعدم التمييز وفرض المساواة، لكن كل هذا ليس له علاقة بدعمك الشخصي للنسوية، الفكرة هنا تكمن في أن النسوية المصرية عليها أن تعيد النظر في مبادئها وطرق التعامل مع من يختلف معهم؛ وأيضاً عدم التقليل من النساء والفتيات اللذين يختلفن ويتعارضن معهم في الرؤية وعدم نعتهم بـ”الجواري” لأن النعت الواضح والمؤكد أن من يسير على ذلك الطريق وبتلك الطريقة مثل النسوية المصرية يثبت إنه من فريق البلهاء ومدعي التحرر.
ومن ذلك المنطلق نتجه إلى الرأي الديني.

إمرأة إمام للمسلمين في بريطانيا

صراع آراء الدين

ربما من الواضح والمؤكد لكل الذين يهتمون بالشأن العام وحيثياته أننا أصبحنا في مرحلة أغلب مَن فيها لا يقبل أي آراء دينية تخص موضوع أو قضية بعينها لأن الآراء الدينية تكون بنسبة كبيرة تتعارض مع أغلب الآراء الدنيوية الأخرى. لذلك في تلك النقطة المحورية بالتحديد تجد جدلاً واسعاً حولها من تشريعات وإفتاء وفروض دينية وحتى لا نتعمق في تلك الجزئية التي تخص الدين؛ لأن مَنْ لم يدرس ويتعلم ويجتهد في الدين ليس له أي حق في جدال الدين وآرائه أو التعديل عليه. لأن -وببساطة- “الجاهل بالشيء لا يحق له التحدث عنه، ولا يستحق جهد الاستماع“.

لكن إن رأينا تلك المعضلة من منظور آخر، سنجد أنه كيف لا نقبل ما يفرضه الدين أو ما تم تحريمه في الآيات البيِّنات أو الكتاب المقدس !

علينا أن ندرك أن الدين ما هو إلا خارطة طريق ونهج مقدَّس لمتبعين ذلك الدين، وأن القواعد حتمية ومفروضة علينا وعلى الإنسان أن يدرك قوته وحجمه في ذلك الكون بين العوالم والمجرات التي تثبت ضعفه في تحريك ساكن،

وعلى الرغم من ذلك تهل علينا فئة من المجتمع تقوم بالتجبر والمكابرة على السطور المقدسة التي أرسلها لنا الخالق لكي نتبع ما فيها من إرشاد وإنارة نستنير بها في دنيانا، على الإنسان أن يدرك حجمه الحقيقي لأن “رحم الله امرأّ عرف قدر نفسه ” في هذه الدنيا كل شيء واضح وضوح الشمس من حلال وحرام ولك كامل الحرية في أفعالك واختياراتك ما لم تضر أحد.

لكن ليس لك أي حق في المساس والتعارض مع الدين وما تيسر من التفسيرات التي سعى واجتهدت رجال الدين من أجل أن تصل للعامة على “طبق من ذهب”

والمقصود هنا هو التنويري الذي يهل علينا من العدم للتشكيك في عقائدنا، وكلما كثرة التشكيكات كثرة الحوارات والنقاشات ومن ثم المشاهدات والإعلانات ومن ثم زيادة في الحساب البنكي لذاك التنويري، وأعتقد الآن أن المشهد أصبح واضحاً لحدٍ ما.

التحرر بلا مضمون

لماذا التحرر بلا مضمون ؟ لأن أغلب المطالبين بالتحرر من أقفال الجهل المتمثلة في “العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية” على حد قولهم، اتضَحَ أنه ليس من ضمن أولوياتهم المصلحة العامة بال العكس فقط يفضلون مصالحهم الشخصية وفرض غرائزهم الشاذة بدعوى التحرر من قيود المجتمع والتي في الأصل تتناقض مع مطالبهم في العلن، وذلك كان واضحاً حين بدأت النسوية المصرية في حملاتها المختلفة في فضح المتحرشين والمغتصبين عن طريق دعم وتشجيع “النّاجيات” على فضحهم وإبلاغ الجهات المعنية بتحقيق العدالة
وحينها انزاح الستار عن عدد كبير من النشطاء والمطالبين بالتحرر واتضح أنهم مغتصبين ومتحرشين بحجة التحرر والتقدمية. وأيضاً إيهام “الناجيات” بأن من يرفض رغباتهم يكون ضمن قطيع الرجعيين والجهلاء، على غرار إتهاماتهم لبعض رجال الدين بالشذوذ، والتعطش الجنسي، واغتصاب القاصرات بدعوى الشرع. لك أن تتخيل عزيزي القارئ كم الثقة التي لدى المتحررين الذين انطبقت عليهم كل التهامات السابقة.

وهنا ندرك كيف أصبحت القضايا المتعلقة بالتحرر بلا مضمون لأن أغلب المطالبين بها هم فاقدي الأهلية؛ بذلك ننتقل إلى باقي نقاط الضعف لدى قضية التحرر في مجتمعنا مثل فقدان الهوية المصرية بسبب نظرة بعضهم للغرب ولنظامه الاجتماعي والسياسي على أنهم “إله يستحق العبادة”، مما يجعلهم يكفرون بعاداتنا وتقاليدنا التي هي ركن من أركان إكتمال الهوية ويضربن مئات الأمثلة التقدمية بالمجتمع الغربي.

ولكي أوضح فكرة الهوية فمثلاً إذا نظرنا إلى الإتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية على الفور يقتحم أذهاننا الفكرة النمطية السائدة بأشكال ومعالم مختلفة وفي وذلك الإختلاف نجد الهوية لكل من البلدان. وإذا أصبحنا من تابعين التحرر بهذا الشكل سنفقد الهوية المصرية بسبب سيرنا على النهج الغربي، لنجد أنفسنا من وطن ومجتمع حامل للهوية إلى مجتمع أفراده ينتظرون في ترقب كل التغيرات المستحدثة التي طرأت على المجتمعات الغربية حتى يقومون بتنفيذها على أكمل وجه.

“قضية الوعي”

منذ مطلع عام 2013، ظهر على الساحة المصرية ما تم تسميته بـ”قضية الوعي” وبدأت تتبلور تلك القضية،
التي جمعت الخصوم في حلبة واحدة بين مؤيدين للنظام وبين معارضين له، كلٌّ منهم يعتقد أن المشكلة في الوعي السياسي لدى المواطن، الذين هم بدورهم يبثون في أذهان المواطن أن الخصم الآخر هو الخطر الحقيقي على الوطن. وعلى المواطن بدوره أن ينصت لأي طرف من الجبهتين وذلك بسبب إيهامه بأنه فاقد للوعي السياسي والفكري ويجب إتباع من يجده هو الأصح بدون ذرة تفكير؛ وهنا أصبح ما تم تسميته بقضية الوعي ما هو تجارة رابحة للأطراف المعنية بالصراع، ويمكن أن أضرب لك مثال جيد عن القضية الحقيقية للوعي المصري

” في كل صباح يذهب المصريين أبناء الطبقة الكادحة التي تجمع بين الطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة لأن النظام الإجتماعي انشطر إلى نصفين، نصف الطبقة الكادحة ونصف فاحشي الثراء، وفي تمام الساعة السابعة صباحاً تبدأ تروس أفران الخبز في العمل ويهل المواطنين راغبي في شراء الخبز رخيص الثمن صغير الحجم، وفي ذلك الوقت بالتحديد سوف تحدث الظاهرة دائمة الحدوث التي تكشف الوعي المصري على حقيقته،
ستجد أغلب الذين اشتروا الخبز يفركون الأرغفة ببعضها البعض قاصدين حتى تتساقط حبات الردة على الأرض، الردة الغنية بالفوائد وأيضاً تعمل كمطهر للسموم في جسم الإنسان، يقوم المواطن برميها على الأرض لعدم معرفته بأهمية فوائد حبات الردة، وهنا تكمن المشكلة المحورية وأعتقد أن قضية الوعي الحقيقية أصبحت واضحة بالنسبة لك عزيزي القارئ بعد ضرب هذا المثل.

في نهاية حديثنا، على الراغبين في التقدمية والتحرر البحث أولاً عن الثغرات في مجتمعنا وفي قضاياهم وإصلاح كل ما فيها حتى يسهل عليهم التقدم بدون عقبات؛ لأن ليس هناك شك في وجود الكثير والكثير من العقبات والصراعات والثغرات في مجتمعنا. وأيضاً فهم حيثيات المجتمع المنتمين إليه وإعادة النظر في مبادئه وطرق التعامل مع بعضهم البعض لأن التقدم لا يحدث من خلال فئة أو طائفة بعينها في المجتمع بال بالتكامل المجتمعي بين أفراده. ومن ذلك المنطلق تغدو مجتمعاتنا وأوطاننا للأفضل على أكمل وجه بدون أي زيف أو تدليس.

ونختم بقول الدكتور عبد الوهاب المسيري “ إن المطلوب هو حداثة جديدة تتبنى العلم والتكنولوجيا ولا تضرب بالقيم أو بالغائية الإنسانية عرض الحائط، حداثة تُحيي العقل ولا تميت القلب، تنمّي وجودنا المادي ولا تنكر الأبعاد الروحية لهذا الوجود، تعيش الحاضر دون أن تنكر التراث “.

من وحي المجتمع المصري

أحمد جاد

كاتب ومدون مستقل وعضو منظمة العفو الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *