الدار البيضاء ليلاً.. بعيون سينمائية

هكذا تمثَّلَ مخرجونَ مغاربة كازا بعدساتهم

تُعرَف مدينة الدار البيضاء -قلبُ المغرب النابض اقتصاديًا– بكونها المدينة التي لا تنام ، ليلُها يجتمع فيه ما يتفرّق في واضحة نهارها ، ليل له أبطال تبدأ حكايتهم حيث تنتهي حكاية أبطال النهار. “كازابلانكا” مدينة المتناقضات؛ فهي إلى جانب شدة بياض مبانيها الجامعة بين الطابعيْن الأوروبي والمغربي، فإن لياليها تتسم بشدة سواد ومٱسي وتيه وانحراف ومطاردة لقمة العيش بأي طريقة كانت، كمدينة يلتقي فيها الثراء الفاحش بالفقر المدقع.
ورغم أن الدار البيضاء بصفة عامة لها حضور وازن في السينما المغربية؛ بل وحتى العالمية في عدة زوايا، لكن زاوية الليل كانت ولا تزال موضوعا دسِمًا لبناء سيناريوهات الأفلام استناداً على قصَصِه ومغامراته. اخترنا في هذا الصدد كنموذج فيلم “كازا بايْ نايت” وفيلم “كازا نيكرا” ، وهما فيلمان بنكهة ليْلَية بامتياز.

“هذا هو الليل، وهؤلاء هُم أصحابه

هذه الجملة قالتها الطفلة كلثوم بطلة فيلم “كازا باي نايت” في إحدى مَشاهدها لمّا كانت تؤدي وصلتها الغنائية مع الرقص، وهي بالفعل جُملة تلخص حال ليالي كازا التي لها شخصياتها ومتاهاتها.

الفيلم -الذي كتبه وأخرجَه مصطفى الدرقاوي سنة 2003- يُعتبر من أوائل الأفلام بالمغرب تُعالج قضايا الشارع بجرأة تبدو صادمة؛ لكنها ضرورية لنقل الواقع كما هو دون مساحيق تجميل. وكما يوحي عنوان الفيلم، فإن أحداث هذا الأخير كلها تدور في ليلة واحدة، في عدة أمكان من كازا، بدءا بالحي الشعبي حيث تقطن الطفلة محور الفيلم التي لم تبلغ بالكاد مراهَقَتها “كلثوم” رفقة والدتها الممتهنة للفساد وأخيها المريض وخالتها الراقصة في رياض يمتلكه كوميسير متقاعد قرر تحويله لدار دعارة دون حسيب ولا رقيب مستغلا سلطته ، ومن أجل توفير المال للعملية الجراحية التي يحتاج أخوها ، تقرر البطلة إقتحام عالم الليل لتصبح راقصة في إحدى الملاهي ، وفي تلك الليلة سوف تصادف أشكالا وأنواعا من شخصيات ليل كازا وقوى الشر ، في مقابل وجود طفيف لقوى الخير مثل سائق التاكسي الدي ظل مرافقا ومساعدا لها طيلة الليلة حتى تمكنت من توفير المال بعدما كلفها دلك شرفها.

“كازا نيغرا”.. العلاج بالصدمة

بلغة أقرب ما يكون إلى لغة الشارع ، إختار المخرج نور الدين الغماري اثناء تصويره للفيلم سنة 2008، أن يكون معجم الحوار في فيلم كازا نيكرا واقعيا بلغة شارع جريئة كأول فيلم من نوعه بالمغرب يتبنى لغة غير مألوفة لدى المتلقي، مشَكِّلًا صدمة بذلك لدى الجمهور. ولعلّ رغبة المخرج الغماري في نقل واقع ليل البيضاء حرفيا كما يقول دائما ، لعبت دورها الحاسم.

لا يبتعد فيلم كازا نيكرا عن فيلم “الدار البيضاء باي نايت” كثيرا، بل يتشارك الفيلمان في نقط عدة؛ منها أن أهم الأحداث تقع بالليل ولو أن “كازا نيكرا” عرفت تصوير بعض المشاهد القليلة نهارا، فإن المخرج اختار في الفيلم أن يجعل من الدار البيضاء محورا رئيسيا للسيناريو، ويظهر ذلك جليا في الفواصل بين المشاهد بحيث يقوم رفقة الموسيقى التصويرية بالتركيز على هندسة المعمار الجميل للدار البيضاء من مباني وساحات وحياة المدينة اليومية من حركة مرور وحركية الناس.

بَطَلَا الفيلم الشابّان كريم وعادل، يُمثّلان السواد الأعظم من الشباب البيضاويّين المُختلِفَة أحلامهم وأهدافهم ومعاناتهم ، والمحسوبون على الهامش الاجتماعي؛ فإذا كان عادل الحالم بالهجرة إلى السويد وكريم المُعيل الوحيد لأسرته ولأبٍ مشلول عاجز عن العمل موظِّفًا أطفال لبيع السجائر، يتشاركان في ظروف الفقر، فإنه للوصول إلى أهدافهما، قاما بقبول عرض أحد مالِكي الحانات بمساعدته في الغش في مراهنات سباق الخيول مقابل تحقيق مطالبهما. وفي سبيل ذلك تاه البَطَلان في مغامرة ليلية ستنتهي بالفشل في مسعاهما.

ما هو مؤكد أثناء مشاهدتك للفيلمين معًا، أنك سوف تسترجع قصص ومواقف مألوفة سبق وأن عايَشْتها بالمدينة عن قُرب، وربّما كنتَ محورا لها كشخص بَيْضاوي بصفة خاصة.

عالج الفيلمان ظواهر وآفاتٍ اجتماعية، هي بالفعل منتشرة بالدار البيضاء؛ مثل البطالة والتشرد واستغلال النفود والكسب غير المشروع والاستغلال؛ في نسخة ليْلِيّة بامتياز عكسَ عدة أفلام أخرى.

حمزة شبكي

الدار البيضاء ليلاً.. بعيون سينمائية

Exit mobile version