الموت سر سعادتي

الموت والسعادة، لفظان متناقضان اصطلاحا وواقعا، فكيف يمكن للموت أن يكون سببا في السعادة وهو الذي اقترن به الحزن والفقد؟

صدقني أن فكرة الموت لا تكاد تفارق مخيلتي، أتوقعها في كل لحظة وكل يوم؛ لا، لا تخيفني لأنني أعيش على فضول اكتشاف ماذا بعدها، ماذا ينتظرني في العالم الآخر.

لأنهم لقنوننا أنه بعد الموت هناك قبر سيغلق علينا وفيه سنتعذب، حصروا الحياة الغيبية كلها في عذاب القبر؛ يا لتفاهتهم، لمَ سيعذبنا الله ونحن الذين عشنا نؤمن به وبوحدانيته وألوهيته وبرحتمه؟

عليك أن تتصالح مع فكرة الموت بالقدر الذي يجعلك تعيش غير مرتعب، ربما نحن لا نخاف الموت، بالقدر الذي نخاف من النهاية غير المحسوبة، والرحيل بدون أن تتسنى لنا فرصة الوداع.

أتذكر اقتباسا يقول “عش كأنك ميت غدا”. ماذا لو طبقنا هذا القول وجعلنا كل يوم نعيشه كأنه آخر يوم لنا؟ أجزم أن لا أحد فينا كان ليخاف من حقيقة الموت.

كثيرا ما تمنيت الموت في ظروف كانت شديدة الصعوبة في زمن مضى، ورغم استمرار هذه الظروف صرت لا أتمنى الموت بل أطلب من الله مزيدا من القوة والصبر، لأنني متيقنة بأن كل ظرف قاس أمر به إنما هو اختبار لمدى صدقي في إيماني به، ومدى استعانتي به.

صورة تعبيرية

عندما مررت بمحنة الإصابة بفيروس كوفيد-19، لم أكن خائفة قطعا منه أن يكون سببا في نهايتي كما كان يخبرني بعض المعارف المتشائمين، بل كنت خائفة فقط على أمي التي كانت تشاطرني الغرفة، كانت حالتها الصحية أصعب مني، لكن في عينيها خوف وحزن على أن يصيبني مكروه، كنت أضحك باستمرار، لا أنام نهارا ولا أتظاهر بالتعب، فقط ليطمئن قلبها علي.

إن حب أمي لي هو الشيء الوحيد الذي يجعلني أتمسك بهذه الحياة أكثر وأتصالح مع فكرة الموت، ومن شدة خوفي عليها نتحدث أحيانا على الموت وأحاول أن أجعلها تتقبل فكرته، لكنني أصطدم باستمرار بمدى قوتها وقناعتها بأن الحياة ماضية والموت هو الحقيقة الباقية.

لا أتكلم عن الموت بتشاؤم، لأخيفك، بل أحاول جعلك مؤمنا به، ومستحضرا له باستمرار لتستطيع العيش بشكل طبيعي وكامل السعادة، وإن أسمى تجليات السعادة يا صديقي أن تكون سبب فرحة قلب محروم، أن لا تظلم ضعيفا، أن تبسط يدك ما استطعت لمن يحتاجك، لا تجعل الأنانية التي انتشرت في عصرنا هذا تقيدك خلف قضبانها، لا تحب الخير لنفسك بينما لا تهتم بالباقي، أحبه للغير كما تحبه لنفسك وستعيش سعيدا، نعم العطاء من أعظم مفاتيح السعادة.

ورغم أنني لا أحب كلمة وفي النهاية، سأخبرك في نهاية هذا الاعتراف أنك إن تصالحت مع فكرة الموت وعملت لأجلها، صدقني ستكون سبب سعادتك في الحياة.

الموت سر سعادتي

تعليق واحد

  1. سوف أحيد (قيلا فقط) عن هذه المقاربة لأقول:
    الموت هو الحقيقة. هو العدل، هو إما وعد أو وعيد.
    هو حقيقة لأنه الحد الفاصل بين السعادة المؤقتة الفانية الزائفة إلى السعادة الحقيقية الأبدية.. ان شاء الله.
    قد يستوي أهل الحق وأهل الباطل في رغد العيش، لكننا لا نستوي في الموت أبدا. وكفى به هنا منصفا. وهذا ماأقصده هنا بالعدل 🙂
    في الختام
    هو الوعد للمؤمنين، وبداية النعيم جعلني الله إياك منهم.
    وهو الوعيد للكافر، وبداية الجحيم (والعباد بالله)
    دمت في رعاية الله وحفظه. 😊

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *