“المادة 490” الأعراض القانونية بعد الإسقاط

إلى أي حد قد تصل الأمور في حالة إلغاء هاته المادة؟

طفت على السطح مجددا المطالبات بإسقاط المادة 490 المتعلقة بـ”جريمة الزنا”، أو ما يُصطلح عليها بين دفّتي القانون الجنائي بـ”جريمة الفساد”، وبين أوساط الجمعيات الحقوقية ومن شاكلهم بـ”العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين”.
تتعدد الاصطلاحات والمرمى واحد، وهو إخراج الفعل من دائرة التجريم، بناء على عدة أسباب، يبقى أبرزها هو أن الفعل أمر واقع، بل ويزداد حدة يوما بعد آخر، والإبقاء عليه ضمن الأفعال المجرمة لا يعدو سوى أن يكون نفاقا دينياً قانونياً اجتماعياً لا غير.

ارتأيتُ في هاته التدوينة البسيطة تسليط الضوء على الموضوع من زاوية القانون نفسه.. ماذا إن تم إسقاط المادة 490 وأي مآلات بعد هذا الإسقاط؟
وذلك بعيدا عن النظر إليه من زاوية دينية من منطلق التحليل والتحريم الذي لا يدع مقالا لقائل بصريح النصوص القطعية من الكتاب والسنة -لمن يعتقدهما ويوقن بهما طبعا- من جهة، وبكثرة ما سُطّر في هذا الباب من الزاوية نفسها أخذاً وردّاً إن على سبيل الإجمال أو التفصيل من جهة أخرى.

على فرض أن المادة 490 قد تم نسخها وإسقاطها من مقتضيات القانون الجنائي المجرّم للأفعال والقاضي بالعقاب جراء إتيانها، فهذا يعني أن الفعل أضحى مشروعا ولا يدخل ضمن نطاق التجريم القانوني، وهذا يعني أن للرجل والمرأة الحرية المطلقة في الممارسات الجنسية تجاه بعضهما البعض يتصرفان فيها بإرادتهما التامة ودونما احتياج لعقد قانوني شرعي يؤطر هاته الممارسات، سوى الرضائية المتبادلة لإضفاء المشروعية التي يتأسس جوهرها على حرية الجسد على حد قول المؤيدين.

قد يرى البعض أن إسقاط المادة لا أثر يُذكر له، سوى انتقاص رقم من الأرقام المكونة للائحة الأفعال المجرّمة، لكن الأمر على النقيض من ذلك تماما، لأن الحكم بمشروعية العلاقة الجنسية الرضائية يفتح الباب على مصراعيه ضرورةً لمستجدات ستطرأ على مواد أخرى في نصوص قانونية مختلفة في الجسم التشريعي، وعلى نوازل مستجدة أيضا أمام القضاء، ستفرض عليه التعامل معها على نحو غير مسبوق مما سيؤصل لاتجاهات واجتهادات قضائية غير مسبوقة أيضا، ولعل أوّل ما ينبغي تحيينه ليلائم الوضعية الجديدة هو إدخال تعديلات على ديباجة الدستور، وبالأخص في الجزئية المتعلقة بكون أن الهوية المغربية تتميز بتبوّإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة.

إن هاته العلاقات الرضائية بعد شرعنتها، حتما ستتمخض عنها نزاعات تلجئ المتضررين منها إلى رفع دعاوى أمام القضاء، هاته الدعاوى قد تتعدد محالُّها ومواضيعها، فقد تنصبّ مثلاً على “الخيانة الجنسية أو الرضائية ” قياساً على “الخيانة الزوجية“، فهل على القاضي إخضاعها لنفس الأحكام من حيث اشتراط شكاية المتضرر أم لا، وقبل ذلك، هل يتوفر رافع الدعوى على أهم شرط لرفع الدعوى وهو الصفة؟ لا أظن ذلك، لأن المعيار هو الرضائية، فإن توفرت، تنتفي صفة المدعي بكونه متضررا ما دام الطرف الثالث راضياً، اللهم إن تم استثناء ذلك صراحة بإدخال تعديل على وجه السرعة يهمّ الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية.

كما قد تنصبّ الدعوى على إثبات نسب مولود قد ينتج عن هاته العلاقة الرضائية، والأمر ليس بالسهل، فالقاضي مجبر عن طريق إجراءات التحقيق على استقصاء كافة المتدخلين في هاته الدورة الجنسية التي بلا شكّ ستعرف تعدّداً كمّياً مهولاً ما دامت مطلقة العنان، بل الأم قبل القاضي ملزمة بإدخال أقصى عدد من المُدّعى عليهم والتي تشكّ في أبوّتهم، ولنفرض جدلا أنه قد تمّ ذلك ووقع تحديد المدعى عليه الحقيقي، يحتاج القاضي للحكم عليه بالنفقة تشريعاً يراعي خصوصيات الوضع في مجال العلاقات الرضائية، الأمر الذي يفرض إضافة مواد مكررة في القسم المتعلق بالنفقة في مدونة الأسرة.

وما دامت الرضائية هي مُنطلقنا، فقد يتفق مجموعة أشخاص على تأسيس شركة غرضها (العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين) وطبعا مادام الفعل خارج نطاق التجريم، فالغرض مشروع وغير مخالف للنظام العام، ولا يمكن مواجهة الشركاء ببطلان الشركة، إذ يكفي توفر الشروط العامة والخاصة لأنشاء الشركة في النظام الأساسي حتى يكون العقد صحيحاً، كما قد يتطلب الأمر الحصول على الأهلية التجارية التي تُكتسَب بالممارسة الاعتيادية والاحترافية للأنشطة المنصوص عليها في المادتين 6 و 7 من القانون التجاري، الأمر الذي يلزم تعديلا استعجاليا لهذا القانون كذلك، ليستوعب النشاط الذي ستمارسه الشركة.

والشركة قد تواجه مشاكل تترتب عنها نزاعات خارجية أو داخلية، فقد يطالب أحد الأجراء في الشركة بالتمتع بكافة الحقوق الممنوحة بمقتضى قانون الشغل، من قبيل التسجيل في صندوق الضمان الاجتماعي والتعويض عن فقدان الشغل والتعويض عن الفصل التعسفي، والتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، الأمر يقتضي إدخال تعديلات آنية على كافة القوانين المذكورة.

صورة من أحد الاحتجاجات المطالبة بإلغاء القوانين الزجرية لما يسمى بالحريات الفردية

وما دمنا في نطاق الشركة، فهي مطالبة تطبيقا لمقتضيات العدالة الضريبية، بأن تساهم في تحمل تكاليف الدولة عن طريق أداء الضرائب، وبأن تمسك محاسبة صحيحة ووضع إقرارات، تحت طائلة الفرض التلقائي من لدن إدارة الضرائب، كما أنها إن كانت شركة أشخاص، فلها اختيار الخضوع للضريبة على الشركات أو الضريبة على الدخل، هذا دون الحديث عن المهن الحرة التي تقتضي الخضوع لنظام معين من أنظمة الضريبة على الدخل وذلك حسب رقم المعاملات، فإن كان الرقم لا يتجاوز 200 ألف درهم في نطاق الخدمات الجنسية “فالملزم الجنسي” إن صحّ هذا التعبير، يمكنه اختيار نظام المقاول الذاتي مع الاستفادة من التغطية الصحية، وإن كان رقم المعاملات في نفس الخدمات لا يتجاوز 500 الف درهم فالملزم مخيّر بين نظام النتيجة الصافية المبسطة أو المساهمة المهنية الموحدة، هذا دون الحديث عن الدخول العقارية الناتجة عن تأجير العقارات لمزاولة المهنة، وكذا دخول رؤوس الأموال المنقولة في حالة ما إذا كانت الشركة شركة مساهمة تدعوا جمهور “الرضائيين” إلى الاكتتاب بإدراج قيمها المنقولة في البورصة؛ مجددا ينبغي تعديل كافة المقتضيات القانونية التي مررنا عليها.

https://www.youtube.com/watch?v=JllK0GF64zA
بودكاست “العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج – المادة 490” عن قناة Ibrahim Elmaghriby – إبراهيم المغربي

إن المقتضيات القانونية التي ستتأثر بإسقاط المادة 409 أوسع وأشسع من أن نحيط بها، وما ذكرناه آنفا ما هي إلا تصوّر جزئي للوضع الذي لا شك ستتبعه مطالبات أخرى، وبالأخص: المطالبات المتعلقة بإسقاط المادة 489 المتعلقة بتجريم الشذوذ، وبعدها المادة 484 المتعلقة بهتك العرض إرضاء لميولات البيدوفيل، واحتراما لخصوصياتهم، الأمر الذي يستتبع مجددا ملاءمة التشريع في جميع نصوصه القانونية بما يتوافق مع خصوصيات هاتين الفئتين كذلك.

قد تكون في حالة أشبه إلى التبسّم أو حتى الضحك وأنت تقرأ مقتضيات هاته التدوينة أعلاه، لكن تأكد أن هذا هو السير الطبيعي للوضع عند يتم إسقاط صفة الجرمية عن هاته الأفعال، الأمر الذي سيُوذن بالبدء في التحول الجذري وبطريقة جد مشروعة لمفاهيم “النظام العام والأخلاق الحميدة والآداب العامة” والتي كانت لأمد طويل ثابتةً ومستقراً عليها.

على الأقل في نظري أنا !!.

“المادة 490” الأعراض القانونية بعد الإسقاط

محمد الشعيري

طالب باحث "علوم قانونية"

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *