من “20 فبراير” إلى أزمة كورونا.. أي حكومة نريد؟

بعد عشر سنوات.. هل من آفاقٍ لمَطالب الشباب ؟

مرّت عشر سنوات على حراك “الربيع المغربي”، الحراك السياسي الاجتماعي الأول في تاريخ المغرب الذي أخرج مختلف الشرائح الاجتماعية في 54 مدينة وعمالة وإقليم في وقت واحد، رافعين شعارات عِدّة أبرزها “كرامة حرية عدالة اجتماعية” و “الشعب يريد مَغربًا جديدا“.

عُرف حَراك 20 فبراير سنة 2011 أنه الأول من نوعه في تاريخ المغرب الذي لم ينضوي تحت لواء سياسي أو نقابي أو أيديولوجي، خرج فيه اليساري والإسلامي والليبيرالي والمواطن العادي، مُطالبين بصوت واحد تحقيق دولة تقوم على مبادئ الديمقراطية والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة وتحقيق التوزيع العادل للثروة.

ساهم الحراك المغربي، الذي اشتعل فتيله من لهيب حَراك “الربيع العربي“، في تنمية الوعي السياسي لدى المغاربة، واعتبر المحلِّلون أن دولة المغرب نجحت في احتوائه في الوقت الذي تعمقت فيه أزماتُ دُوَلٍ جارة مثل ليبيا وسوريا.

تمخّضَ عن الحراك المغربي دستورٌ متقدم على نظيره السابق، وسّع من اختصاصات الحكومة ودَسْتَرَ مؤسسات عدة وأقرّ صريحًا بالفصل بين السلط واستقلال سلطة القضاء، وأفسح مجال الحقوق والحريات أمام المواطن، إلّا أن هذه الحريات ظلت جلها حبيسة الوثيقة الدستورية لِمَا أبانت عليه بعض الجهات المسؤولة من خرق سافرٍ لها مع الاعتقالات المتتالية لعدد من الصحافيين والحقوقيين والمدوّنين.

كما تمخض عن الحراك “حكومة بنَفَسٍ إسلامي” اتخذت على عاتقها تنزيل مطالب حركة “20 فبراير” على أرض الواقع، لكن بعد مرور عشر سنوات من عُمُر الحراك وحكومة العدالة والتنمية، أظهرت النتائج التي يعيشها مغرب اليوم أن الحكومة التي عمرت بعمر الحراك لمْ تُوفِ بتعهداتها للمواطنين، والمغرب اليوم ليس أقل سوءاً عن مغرب ما قبل 2011، خاصة على مستوى المؤشرات الاجتماعية والتنموية والعدالة الجهوية.

المدافعون عن حكومة “البيجيدي” يُرجّحون أن التأخر في التزام الحكومة بتعهُّداتها للمغاربة ليس فشلا، وإنما التحالف الذي وُضِعَ وسَطه البيجيديون تعمّد عرقلة كل مشاريعه للقضاء على حزب وثق فيه الشعب لولايتيْن متتاليتيْن، وتبخيس جهوده لإعطاء فرصة لأحد أحزاب النخبة ليقود الحكومة، منه حزب “الجرّار” (شعار حزب الأصالة والمعاصرة) أو الاستقلال أو حزب “الحمامة” (التجمع الوطني للأحرار) الذي يترأسُه عزيز أخنوش، الذي ظلّ يُنظر إليه باعتباره السببَ الرئيسي في “بلوكاج” تشكيل “حكومة بنكيران الثانية”.

في خضمّ أزمة فيروس كورونا الذي اجتاح المغرب كباقي دول العالم، عادت معه احتجاجاتٌ متفرّقة تطالب بضرورة تعجيل الإصلاحات في القطاعات الاجتماعية والخَدَماتية كقطاع الصحة والتعليم اللذان أظهر الفيروس هشاشَتَهُما وضرورتهُما في الوقت ذاته.

الأزمة الصحية أبرزت كذلك وجه الارتباك التدبيري الذي تُعاني منه الحكومة التي خرج علينا رئيسُها في كل مرة للإدلاء بتصريحات تناقض ما سبق، ووزراء يدلون بتصريحات متفرقة أسهمت في ارتباك المواطنين، وكأن الحكومة تشتغل حسب أهواء الوزراء كلٌّ بمعزل عن التشكيلة الحكومية، في غياب شبه تام لمخططات تدبير المخاطر الفجائية.
الأزمة الصحية أسهمت بدورها في تراجع ثقة المغاربة في النخب السياسية وفي المؤسسات وكذا في الأحزاب، مما يبعث عن توجس لضعف المشاركة في الانتخابات المُزْمَع إجراؤها قبل نهاية السنة الحالية.

كما أسهمت الأزمة الصحية بتمكين السلطة من فرصة السيطرة على الفضاء العام بعد اعتماد قانون الطوارئ الصحية، مما ساهم بدوره في تراجع بعض المكتسبات الحقوقية، وشدد الخناق على كل محاولات احتجاجية؛ وبالرغم من ذلك، فما زالت شعارات ومطالب حركة “20 فبراير“، حاضرة في كل مناسبة احتجاجية وبقوة أغلبها مطالب اجتماعية.

الأزمة الصحية أبرزت وجه المغرب الآخَر، حيث غابت المقاربة السياسية وحضرت بالمقابل المقاربة الأمنية، إلى حدٍّ ذهب البعض بالقول إنّ هذه المقاربة تهدد المسار الديمقراطي الذي يحاول المغرب جاهداً إثباته.

ومن المتوقع حسب متتبعين، أن فترة “ما بعد كورونا” ستكون الأصعب على الحكومة التي ستقود المغرب بعد انتخابات 2021، نظرًا للاحتجاجات الاجتماعية التي ستواجهها، انطلق بعضٌ منها بمُدُنٍ كـ “الفْنِيدَق” (شمال المغرب)، إضافة إلى المطالب التي لم تخمُد بَعْدُ بكل من منطقة الريف (الحسيمة) وجرادة، كما ستطفو على السطح احتجاجات قطاعية أبطالُها المتضررين من الجائحة.

إنّ أيَّ حكومة ستقُود مغربَ ما بعد كورونا، كيفما كان انتماؤها وأيديولوجيتها ومبادؤها السياسية، ستجد نفسها محاصَرَة بمطالب حركة “20 فبراير” بعد عشر سنواتٍ من انطفاء شمعتها، وستكون الحكومة المقبلة ملزمة أكثر من أي وقت مضى، بضرورة الحوار الاجتماعي والسياسي مع مختلف الفاعلين والاستماع إلى كافة الأصوات لمعالجة كافة الملفات العالقة وتحقيق انفراج سياسي لتجنيب المغربِ الرجوعَ سنواتٍ إلى الوراء.

من “20 فبراير” إلى أزمة كورونا.. أي حكومة نريد؟

اقـــــرأ أيضــاً على مدونة زوايــا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *