الصمت العقابي..

اخطر اساليب الاخضاع النفسي..

يعتبر الصمت العقابي أو Traitement silencieux واحد من أهم أساليب الاخضاع النفسي التي تلجأ إليها الشخصية النرجسية من أجل إخضاع الضحية بسبب شعوره بتضخم ذاته وتعرضها للمساس فيلجأ متعمداً للصمت المفاجئ, دون تقديم أدنى مبرر لصمته الذي قد يستمر لأيام أو لأسابيع طويلة..

وبالتالي فالصمت في هاته الحالة هو وسيلة ضغط واخضاع وليس مجرد تعبير عن المشاعر الشخصية أو حالة الغضب التي قد يمر بها أي كان، وإنما هو عقاب متعمد هدفه هو الحاق الأذى النفسي بالضحية من أجل الحصول على “التموين النرجسي” لا غير.
والمطلوب من الضحية في هاته الحالة هو التذلل و طلب الصفح والاعتذار المتواصل بسبب ودون سبب من أجل اشباع أنا الشخصية النرجسية المتضخمة دون ان يكون هناك سبب حقيقي يستدعي ذلك..

وبالتالي فالصمت في هاته الحالة هو رسالة إلى الضحية لاشعاره بعدم قيمته وعدم أهميته في حياة النرجسي الذي يحاول عامدا اذلاله واخضاعه بهذه الطريقة القاسية، لا بل ورغبته في إشعاره بشكل متواصل بالذنب والتقصير و النقص..

وعلى الرغم من أن ما يقوم به الشخص النرجسي إتجاه ضحيته هو عبارة عن أذى واضح إلا أن لا أثر مادي ظاهر له.. بمعنى أن النرجسي بعيد كل البعد عن اللجوء الى إلحاق أذى جسدي بضحيته، بل يرتكز على استغلال حاجة ضحيته النفسية في التواصل الاجتماعي المستمر أو حاجته بالاهتمام و الحب بشكل خاص، عن طريق ترسيخ الشعور بالازدراء وهو ما من شأنه أن يولد حالة من الانعزال والحزن ثم الاكتئاب بسبب هذا الجفاء اللامبرر وهو هدف النرجسي المنشود للتعزيز من أهمية وجوده في حياة ضحيته والذي يشبع أناه المتضخمة بطريقة ترضي نرجسيته..

ويلجأ النرجسي الى هذا الاسلوب عادة في المرحلة الثانية من مراحل تدرج العلاقة وهي مرحلة فقدان السيطرة في محاولة منه لاعادة فرض سيطرته بأية وسيلة كانت.

ويعتبر اللجوء الى هذا الأسلوب الذي يعتبر واحدا من اقذر انواع التلاعب السيكوباتي أحد المؤشرات الخطيرة على أن الشخصية غير متزنة وقد تكون دلالة على وجود مرض نفسي يحكم السيطرة على سلوكيات الشخصية النرجسية وعلاقاتها..

لكن السؤال الأهم هنا هو كيفية التعامل مع هذا السلوك الغير سوي؟

الإجابة هي حتما تكمن في تقوية المناعة ضد هذا النوع من الإبتزاز العاطفي عن طريق انتهاج رد فعل هادئ ورصين يكون مزيج بين أشغال الضحية بنفسها قدر المستطاع وايلاءها أهمية و اهتماما إضافيا بل وحبا اضافيا وهو ما من شأنه دحض فكرة الدونية وابعاد التفكير السلبي وبالتالي عدم الانجرار الي الحزن ثم العزلة والاكتئاب ولأن النرجسي سيراقب عن گثب أثر ما يحاول جر ضحيته إليه فالخطوة المهمة هنا هي محاولة التصرف بلامبالاة إتجاه صمت النرجسي قدر المستطاع وعدم إبداء أي انزعاج من الوضع القائم.
هاته الحالة ستولد حالة من اليأس لدى النرجسي والتي ستدفعه لاحقا لكسر هذا الصمت لكن ليس باعتذار أو بتراجع صريح و إنما بمحاولة يائسة منه لإثارة مشكلة مُتخيلة ستنتهي بتغاضي الضحية وتجاوز الموقف بليونة وعقلانية..

الصمت العقابي..

سلمى بن دعاس

استاذة لغة فرنسية. مهتمة بالادب.. بالترجمة و الكتابة الفلسفية كتبت رواية تحمل عنوان (عندما نشتهي..نشتري).

‫5 تعليقات

  1. كلامك فيه مسحة من الحقيقة يا اخ امين.. في النهاية الصمت انواع وما الصمت العقابي الا نوع شائع منه، تبقى عبارات الكاتبة احلام مستغانمي عن الصمت من ابلغ ما قِيل فيه، اليك مقتطف منها:
    “تكمن قوة الصمت الرجالي في كونه سلاحا تضليليا….. إنه صمت الحرباء، لو كان للحرباء صوت تقف امامه المرأة حائرة، تتناوب على ذهنها احتمالات تفسيره بحكم خدعة الصمت المتدرج في الوانه من احساس الى نقيضه….
    صمت العشق.. صمت التحدي.. صمت الألم.. صمت الكرامة.. صمت الإهانة.. صمت اللامبالاة.. صمت التشفي.. صمت من شفي.. صمت الداء العشقي.. صمت من يريد أن يبقيك مريضاً به.. صمت من يثق بأنّه وحده يملك دواءك.. صمت من يراهن على أنّك أوّل من سيكسر الصمت.. صمت من يريد كسرك.. صمت عاشقين أحبّ بعضهما بعضاً حدّ الانكسار.. صمت الانتقام.. صمت المكر.. صمت الكيد.. صمت الهجر.. صمت الخذلان.. صمت النسيان.. صمت الحزن الأكبر من كلّ الأحزان.. صمت التعالي.. صمت من خانك.. صمت من يعتقد أنّك خنته ويريد قتلك بصمته.. صمت من يعتقد أنّك ستتخلّين عنه يوماً فيتركك لعراء الصمت.. الصمت الوقائي.. الصمت الجنائي.. الصمت العاصف.. والصمت السابق للعاصفة.. صمت الانصهار وصمت الإعصار.. الصمت كموت سريري الحبّ.. والصمت كسرير آخر للحبّ ينصهر فيه عاشقان حتى الموت.. الصمت الذي ليس بعده شيء.. والصمت الذي ينقذ ذلك «الشيء» ومنه تولد الأشياء مجدّداً جميلة ونقيّة وأبديّة بعد أن طهّرها الصمت من شوائب الحبّ”.

  2. ماذا لو لم يكن صمتا؟
    أنا شخصيا حين تكثر السمية في علاقتي مع شخص أخر أنسحب و أقنع نفسي أنه غير موجود تماما و لا أحادثه و أتجنبه حفاظا على صحتي العقلية.
    أعتقد أن الصمت العقابي هو الصمت الذي يعقب إحداث إنفعال لديك، كأن يأتي إليك الشخص هذا بأمر صادم (إتهام، أو اختلاق لمشكلة أو أي شيء من هذا القبيل) ثم يصمت فيتركك في حيرة و تظل تواصله كي تأتي بإجابة و هو لا يرد.
    و لكن الحمد لله صار تكتيكا معروف الهدف و حين تعرف الهدف يسهل عليك إجتنابه. فقد تصدم للمشكلة التي اختلقها ثم لما يبدأ في صمته تفهم ما يريد و يسهل عليك تجاهل الصدمة الأولى، فتصير بالنسبة لك مثل المثل الجزائري “تهنى الفرطاس من حكان الراس” أي إرتاح الأصلع من عناء حك الرأس.

  3. اخ خالد.. الصمت العقابي هو رغبة في الحاق اذى نفسي بالطرف الثاني ومعاقبته دون سبب منطقي.. اما صديقك فيرغب في ايصال رسالة غير مباشرة لك مفادها اما انك خارج دائرة اهتماماته حقا او ان الغرض منها هو عتب غير مباشر..

  4. اذا لم يسأل نرجسي عن صديق له مر بمحنه مرضيه وطبعا بشكل متعمد فهل يعتبر ذلك صمت عقابي ..علما بانه لا يوجد ما يشوب العلاقه بينهما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *