نحو رؤية فلسفية للإبداع

شكلت الفلسفة محط اهتمام العديد من العلوم بمختلف مشاربها، ومرد هذا الاهتمام راجع إلى الموضوعات التي تعالجها والتي تصب في جوهر التساؤلات التي يطرحها الإنسان حول الطبيعة والوجود وما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا)… إلخ. ومن هذا فبمقدورنا طرح الإشكال التالي: إلى أي حد تساهم في رقي المجتمع بشكل عام، والرؤية الفلسفية في الرقي بالإبداع بشكل خاص؟

تميز الطرح الفلسفي منذ بداياته بهوس السؤال، فهذا الأخير شكل منعطفا حاسما ارتقى بالفلسفة وتاريخها، فما دام السؤال حاضرا سيبقى الطرح قائما لا محالة، وبعد السؤال يبقى السعي قائما للوصول إلى الحقيقة، لكن هذا السعي مشروط بعدة ضوابط، فنحن هنا لا نتحدث عن الوصول الفعلي للحقيقة، فمتى تحقق فعل البلوغ بطلت قيمة الحقيقة وقيمة السؤال سواء. ومتى بقي السعي للوصول قائما إلا واستمر البحث بشكل عام والبحث الفلسفي خصوصا بالتقدم والازدهار.

لقد انبنى السؤال الفلسفي على مسألة أساسية لا محيد عنها، تولد معنا من البداية، وسرعان ما تغتالها فينا العادة، يتعلق الأمر هنا بمصطلح “الدهشة“، فهي في الأصل أساس كل سؤال مهما كان نوعه، وينبثق السؤال من أشياء لا تُرى باعتبارها عادية البتة؛ فما نراه نحن عاديا، يحتكم في الأصل إلى العادة لا غير، والدليل على ذلك اندهاش الأطفال من كل الأشياء التي قد تبدو لنا عادية، ولا شيء فيها مدعاة للاندهاش، وهذا الأمر بالذات هو الذي يشترك فيه كل من الأطفال والفلاسفة على حد السواء، فكل شيء عندهم مدعاة للسؤال، ولا وجود لشيء عادي في قاموسهم الحياتي.

صورة تعبيرية

ومسألة الدهشة هاته مرتبطة أشد الارتباط بالإبداع بمختلف أصنافه؛ فما دامت الدهشة قائمة إلا وكان الاختلاف قائما، ومنبع الاختلاف في الأصل يتولد عنه الإبداع. لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر مسألة الجاذبية مع نيوتن، ففي حياتنا اليومية دائما ما نرى الأشياء تتساقط من أعلى لأسفل، لكن لم نكلف أنفسنا يوما عناء السؤال؛ لماذا تتساقط هذه الأشياء ولا تلبث في مكانها، أو بالأحرى لماذا تتساقط من أعلى لأسفل وليس العكس؟ كانت هذه التساؤلات هي سبب اكتشاف الجاذبية، فمع سقوط التفاحة أدرك من دهشته وسؤاله أن الأمر غير عادي، واستمر بالبحث إلى أن اكتشف نظريته هاته. الأمر ذاته ينطبق على المبدع والفيلسوف أيضا.

إن سبب استمتاع القارئ بصورة فنية سواء أكانت قصيدة شعرية أو قصة أو رواية أو لوحة تشكيلية، هو ذلك الوصف المميز، أو تلك الحبكة المميزة التي تخلق عالما ممكنا انطلاقا من كونها أشياء مختلفة، وتلك الأسئلة المطروحة بدقة، وذلك بقالب إبداعي متميز، لذلك سميت الفلسفة بأم العلوم، لأن منطلق كل علم كيفما كان هو التساؤل والاندهاش، ومن هاذين المفهومين ينبني كل شيء فيما بعد، ليشكل لنا نظرية قائمة الذات.

نحو رؤية فلسفية للإبداع

محمد امحيندات

باحث بسلك الدكتوراه جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس. شاعر ومدون، مهتم بالشأن الثقافي والإبداعي.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *