رسالة حب

ولنا في الحلال لقاء

لقد أحبّها بصدق.. وأخلص لها المشاعر.. وأبى إلا أن يبوح لها بما يختلج صدره ويتردد في خاطره عبر رسالة أرسلها لها . فكأن ما كان ينتابه هو مَـخاض اضطرب في داخله فأخرج لها من معاني الحب والوجد ما عجز اللسان عن البوح به. لقد كانت رسالة مُـفْعمة بالحب والود والوفاء. عيناه تسيلان مِن فرْط الهوى.. وقلمه ينهمر حبرا مِن شدة شوقه إليها. ولم يكتب لها الرسالة من تلقاء نفسه، وإنما لِـما وجد فيها مِن جمال أخّاذ وحياء جذاب دفعه ليـخُطّ بقلمه كلمات كتبها ذات ليلة على مضض! بالفعل، لقد كانت جميلة الوجه وسيمة القسمات، بهـيّـة الطلعة، مستقيمة الهيئة، عذبة الكلام، رشيقة الحركات.. كانت رسالته حافلة بأصدق عبارات الحب.. تحمل في ثناياها الكثير من العَـبرات والدموع التي جعلته يرشُف سُمّ الحب ويذوق مرارة الفراق. فما كان منه إلا أن كتب لها بعضا من أشجانه التي أَضْنته وأرّقَتـْه لياليَ لا حصر لها، وإليكم نصّ رسالته لها:

” سلام الله عليكِ ورحماته يا غالية.
ليس بوُسعي أن أخرج هذه النفحات التي تـنْبعث من دَواخِلي حُباً ووُجْدا تجاهكِ أيتها الفاضلة الجميلة؛ فالمرء مع من أحب، وإن قانون الحب يستوجب التضحية وبذل الغالي والنفيس لأجل وعلى حساب مَن نحب.. لا سيّما وأن النفس تـَـتُـوقُ لـِمَعاليكم، وتزداد شوقا وحنينا إلى رِحابكم وجَنابِكم يا صاحبة الوجه الصبوح.. فعذرا ثم عذرا يا غالية على ما أصابني تجاهك من جنون ربما قد خرج أحيانا عن قانون الطبيعة وقاموسها، غير أني مكره على هذا والله يشهد.. وقلمي خير دليل على ذلك؛ فلا شك أنك قد لاحظت اضطرابا مزعجا في أسلوبه وكلماته التي لا تحتل مكانا جميلا في قلبك العطوف! لكن صاحبه يعاهدك ويَعِدك كل الوعد على أن يصير قلمه خادما لكم، نازلا عند أحاسيسكم ومشاعركم الجيّاشة، مُتمسّكا بكم، مُعتصما بقلبكم الحنون الذي قد أخذ من معاني الصفاء والنقاء ما لا يعد ولا يحصى، فكأنه قلب سماويّ أنزله القدر إلينا ليعطينا من الفضائل والمحاسن والهمسات الإيمانية ما عجزتِ الإنسانية على تحقيقه!!

وإن المشاعر لتدفعني دفعا لأبوح لكم بما يـخْـتَلِـج صدري ويضطرب في خاطري، ولكن الـخجل الذي يكون حاضرا معي أمامكم لا يشجعني لأبوح لكم بما أخْفيه مِن معان لطيفة رقيقة وقوية في الوقت نفسه.. ليت للقلب لسانا حتى يُفصِح عما يُكِنّـه ويَـكتمه عن الآخرين، ولكن القلب يدرك بادئ ذي بدء معنى ومغزى الأمر، ثم يأخذ في تراتيله وأناشيده التي تتهيأ له من حيث لا يحتسب.

يا معذبتي..!
يشهد الله كم كان رحيلك صعبا وأشد وقْعا على قلبي! لقد رثيتُ لفراقكِ وهجرك المُـلْـتاع الذي جاءني على غير سابق إعلان..! وبكيتُ البواكيَ حتى سالتِ المدامع وبُـلّت العيون بالدموع.. القلب يتحدث عن خبر كان.. واللسان يخرج زفرات القلب واضطراباته.. والقلم يكتب سُمّ الحب الذي أصاب صاحبه حتى أصبح مجنونا مَغشِيّا عليه مِن فَـرْط ما أصابه.. والـمـواجيد تحترق غيظا وألـما.. والنفس تـثور أحيانا وتفر منكِ فرارها من الهلاك.. والعَبـَرات تسيل سيلانا لا يكاد ينقطع.. والنظرات إلى وجهك الصبوح تـتوالى ولا تـتوانى.. والحب يزداد قوة بعد قوته الأولى كلما تذكر قسمات وجهك الجميل وتفاصيل بسمتك الرقيقة المدلّلة الطفولية.. والشوق إليك يَفيض عاطفةً ورِقة وحنينا.. وصوتك العذب الرقيق مازال صداه يَـقْرع مسامعي ويُطربني بأروع التراتيل وأعذب الألحان..

هذا وإن الكلام والكتابة إليكم أمر جلَـلٌ عظيم، منزّهٌ وبعيد عن زُخرف القول، حافلٌ بكل معاني الصدق والإخلاص والوفاء، مُتشبِّـع بصفات الرجولة والشهامة والوعد الصادق الصدوق.. كل هذا مما يـخْـتلجه هذا القلب اللئيم، ويستره سترا جميلا، فصبر جميل معك يا غالية، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، ولنا في الحلال لقاء.”

رسالة حب

حمزة كرزازي

من مواليد 1997 بفاس، طالب بشعبة الدراسات العربية، محب للقراءة والكتابة، مولع بمجال الصحافة والإعلام، متتبع لعدة برامج تلفزية فكرية وثقافية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *