التعليم المغربي قضية طبقية

بين التعليم الخصوصي والعمومي

لاتزال المدرسة المغربية من الاستقلال إلى اليوم أداة في يد السلطة لإعادة إنتاج الطبقات الاجتماعية، فكما يحافظ أبناء الأغنياء على مكانتهم العالية، يستمر أبناء الفقراء في معانتهم بسبب ضعفهم الأسري المتدني. ونجد بالمقابل أن كافة المواثيق الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تدعو إلى ترسيخ مبادئ المساواة في التعليم الجيد كحق أساسي لكل فرد، في إطار توفير فرص متكافئة، وكان المغرب من بين البلدان التي صادقت على هذه المواثيق، لأن التعليم في المملكة لازال يعاني في الواقع من التفاوتات في الحصول على التعليم الجيد.

إن معظم التلاميذ في المدن الكبرى يدرسون في مؤسسات خاصة بدلا من المؤسسات العمومية باعتبارها تقدم تعليما ذا منظومة فاشلة، وإن هذا الأمر يزيد من الفروقات بين الطبقات الإجتماعية وظهور اللامساواة بين التلاميذ المغاربة؛ وإن التعليم في المدارس الخاصة يسهل عليهم تطوير قدراتهم وتعلم اللغات بينما يظل مستوى أصحاب التعليم العمومي محدودا مقارنة مع أصحاب المدارس الخاصة.

نجد كذلك هذه التفاوتات بين التلاميذ في المدن والقرى، حيث أن أبناء الطبقات البرجوازية يستطعيون الولوج إلى المدارس المتخصصة والمعاهد الكبرى، في حين أن أبناء الطبقة الكادحة (الفلاحون والتجار …) يكون مصيرهم الجامعات العمومية التى توصف بالنظام الفاسد. وفي هذا الصدد، نقف عند تجربة “التعليم عن بعد” في إطار جائحة كورونا، فهذا المخطط بالنسبة لي مخطط فاشل بالنسبة لأبناء الطبقة الكادحة نظرا لمعاناتهم وعدم القدرة على توفير لوازمه بما فيها الهواتف النقالة والإنترنيت، ولكن الطبقة الميسورة لم تواجهها أية مشكلة، وهنا يتجلى وجه آخر للطبقية في المجتمع، فكما نجد أن النخب السياسية والمالية -أي الطبقة الحاكمة- تبحث عن أفضل مؤسسات التعليم الخاص خارج البلاد وداخله من أجل ضمان تكوين جيد لأبنائها، في الوقت الذي يلج أبناء الطبقة الكادحة إلى المدارس العمومية (الفاشلة).

صورة من أحد الأقسام بإحدى المؤسسات التعليمية بالمغرب

من خلال أطرحة بيير بورديو التي يمكننا إدراجها في هذا الصدد، ومن خلال تحليله السوسيولوجي، يصل إلى مبدإ أساسي هو أن التفاوت في النجاح المدرسي للأطفال المنحدرين من طبقات اجتماعية مختلفة نابع من هذا التفاوت، حيث يقول إن التلاميذ المنحدرين من أصول بورجوازية يدرسون الآداب القديمة ولغاتها منذ مرحلة الثانوية، إضافة إلى أن وسطهم العائلي يمكنهم من إتقان اللغة وامتلاك استعدادات وعادات ثقافية وشخصية تجعلهم أكثر تفوقا، أما فيما يتعلق بالطبقات الدنيا فإنهم يختارون شُعَبا لا تؤدي إلى النجاح الإجتماعي.
إن حظوظ النجاح إذن هي أوفر بالنسبة لأبناء الطبقة الغنية والتي تمكنهم من الولوج إلى مدارس عليا بسهولة، بينما أبناء الطبقات الكادحة يبقى مصيرهم الجامعات التي لا تتوفر على فرص للنجاح المستقبلي.

إن التعليم هو أداة أساسية في تحصيل مستقبل علمي للمتمدرس، لكن التعليم داخل المغرب هو وسيلة لتكريس الفوارق الطبقية وهو الممثل الوحيد للتفاوتات المجتمعية.
ومن هنا، فالتعليم المغربي قضية طبقية ووسيلة في يد السلطة، لإعادة إنتاج الطبقات الاجتماعية، وهو أشبه بطاحونة ضخمة تعمل على إنتاج نفس الطبقات المهيمنة في المجتمع منتجة بذلك جيوش من المعطوبين نفسيا ومعرفيا واجتماعيا.


مراجع:
1- بيار أنصار، العلوم الاجتماعية المعاصرة، ترجمة نخلة فريفر، المركز الثقافي العربي، الطبعة 1، 1992، ص 27.

2- Pierre Bourdieu et Jean Claude Passeron, la reproduction, éléments pour une théorie du système d’enseignement, édition de minuit, 1980, p 144.

3- كتاب إعادة الإنتاج في سبيل نظرية عامة لنسق التعليم بيار بورديو.

التعليم المغربي قضية طبقية

Exit mobile version