العولمة و تأثيرها على النظام التعليمي المغربي

الاقتصاد الثقافي الذي تعتمده العولمة

إننا نعيش في قرن العولمة وهيمنتها على مسار البشرية، فالعولمة هي “فيروس أيديولوجي” يغزو العقول في كافة المجتمعات التي وصفها السوسيولوجي “مانويل كاستلز” بمجتمع الشبكات.

يعرف الفيلسوف الفرنسي “روجيه جارودي” العولمة بأنها “نظام يُمكّن الأقوياء من فرض الدكتاتوريات اللاإنسانية التي تسمح بافتراس المستضعفين بذريعة التبادل الحر وحرية السوق“(1)، وهكذا فان ظاهرة العولمة يؤثر بروزها في ميدان التعليم كما يؤثر في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية و الاجتماعية، ذلك ان النظام التربوي التعليمي مرتبط بالعولمة ويحتكم الى عملية التأثير من خلال تفاعله مع البيئة المحلية امتدادا الى تأثير النظام العالمي على انظمة المجتمع الواحد من خلال التغيرات العالمية.

تصف عالمة الاجتماع “ساسكيا ساسن” التي اشتغلت أستاذة علم الاجتماع بجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية العولمة بكونها “ حيوان يصول و يجول بقوة و بسرعة متعاظمة “(2)

ومساهمة في مقاربة موضوع العولمة و تأثيرها على النظام التعليمي المغربي، سنحاول في هذه الورقة التفكير في القضايا التي تطرحها علاقة العولمة بالنظام التعليمي المغربي، وبما ان هذا الأخير نظام مفتوح يتأثر بمجمل التغيرات المختلفة التي تحدث في العالم فهذا التأثير ينعكس على جميع عناصر النظام في إطار تحسين العملية التربوية ومن صلب اهدافها جعل النظام التعليمي متكيفا مع متطلبات العصر، لا شك ان العولمة تحمل في طياتها اثارا على ماهو قائم حاليا ومنها مايكون تأثيره مستقبلا يرسم معالم الغد وانعكاساتها قد تكون ايجابية وقد تكون سلبية ولكننا حتى الان لم نرَ اثارها بوضوح كامل لان حركة العولمة لم تكتمل بعد فواصل تطبيقها.

ان العولمة منهج تربوي اميركي الشكل والمضمون، وفي ظل العولمة تعدد المصادر والادوات المعرفية وعلى المتعلم ان يهيئ عقله لتقبل هذه المعارف وتتألف المعرفة واساليبها في المستقبل من ابعاد تكوين الانسان الكلي وهو ما تؤدي اليه العملية التعليمية من اظهار وايضاح قدرات واستعدادات المتعلم الجسمية والنفسية والاجتماعية والعقلية وتنمية تفكبره،ثم توظيف الأساليب والشمولية في المعرفة باعتبار العملية التربوية لا تهدف في ظل العولمة الى حفظ المعلومات وتذكرها فقط ولكنها تدور حول مهارات المعرفة العلمية في طرائق التدريس وايصال المعلومة.

يمكن استنتاج أن عملية اختراق العوملة للتعليم كحقل تربوي هي ظاهرة أكيدة لا يمكن إنكارها. وهذا نتيجة فعل مزدوج: فمن جهة هناك تصاعد هيمنة العولمة على الحقل التربوي (تشكيل الأذواق والاتجاهات والقيم والسلوكات)؛ ومن جهة أخرى هناك استعمال وسائل تكنولوجية لإثارة الإدراك وتنميط الذوق والفكر.

إن من بين المؤشرات الدالة على بداية حدوث تحولات عميقة بالنظام التعليمي المغربي، نتيجة اختراقه من طرف العولمة، ظهور علامات تجارية لشركات مشهورة تنتشر بشكل واسع في المدارس ومحيطها، وفي الثانويات وفضاءاتها، وفي الجامعات ومراكزها العلمية، بل منها من يقدم خدمات لأطر هذه المؤسسات التعليمية ومدرسيها من تجهيزات تقنية في التدبير الاداري والتربوي او وسائل بيداغوجية حديثة او تجهيزات تقنية مخصصة لمساعدة الفاعلين التربويين أو الجمعويين على اساس تنشيط الحياة المدرسية والانشطة الرياضية و الأنشطة المندمجة وغيرها من طرف شركات عالمية أو مقاولات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر (DANONE – Coca Cola– Microsoft…) وهذه ليست الا عينة محدودة وقليلة من المقاولات التي اصبحنا نصادفها في أنشطة الحياة المدرسية، ونجد صورها وعلاماتها التجارية في عدد من الكتب المدرسية وهذا كله لكون هذه الشركات العملاقة تنظر الى الاطفال والتلاميذ بوصفهم مستهلكين مستقبليين وبوصفهم في انتظار ذلك يمتلكون سلطة للضغط على ابائهم كفئة مستهلكة بامتياز، وباسم الانفتاح على المجتمع أصبحت المدرسة جنة المقاولات الجديدة لذا تغيرت وجهتها وتلفتت نحو المدرسة والقسم والمدرس.

منذ سنين وعقود ازداد الاهتمام بدور التكنولوجيا في العملية التعليمية،والاستعانة بها في تطوير التعليم ومعالجة مشكلاته، ونحن نعيش اليوم عصر عولمة القيم والمعرفة حيث اصبحت التكنولوجيا المعلوماتية المحرك لدينامية الفصل الدراسي.

وفي السنوات الاخيرة تم ادماج مضامين تربوية جديدة في المنهاج لإكساب المتمدرسين القيم والاتجاهات والسلوكات الايجابية نحو العولمة، ومنها التربية البيئية والتربية من اجل الديموقراطية(الرافعة الثامنة عشرة من الرؤية الاستراتيجية) اضافة الى مراجعة شاملة لنظام التوجيه والدعوة الى التمكن من اللغات العالمية واحداث شعب ومسالك دولية قصد الانخراط في اقتصاد ومجتمع المعرفة وملاءمة التكوينات مع حاجات ومهن المستقبل وازدياد الاهتمام بالتكوين المهني من أجل تغطية متطلبات سوق الشغل.

إن من جملة أسباب حيازة ثقافة العولمة نفوذها وانتشارها الواسع، يرجع بالأساس إلى اعتمادها على “اقتصاد ثقافي“، يحتكر الإنتاج الثقافي والفني، خصوصا منه الإنتاج السينمائي والموسيقي. كما يحتكر سوق الإشهار، والإعلانات المتحكمة في التسويق العالمي للثقافة، مما جعلها تدخل كل البيوت بواسطة الفضائيات وانتشار وسائل الاستقبال. عامل آخر ساعد على توغل الصادرات الثقافية الأمريكية في بيوتنا يعود إلى طبيعة مضامينها الشعبية، وأحيانا السوقية. وبالتالي فهي لا تعكس سوى المستوى المتدني من الثقافة الأمريكية(3). أما تسويق الثقافة العالمة فقد تبين من تجربة أوروبا في هذا المجال أنها عملية غير مربحة، نظرا لأن جمهورها نخبوي. وبذلك أصبح النموذج الأمريكي يتحكم في الأذواق والرغبات، وفي تكوين الاتجاهات الفنية والقيم الثقافية، وأنماط الاستهلاك على الصعيد العالمي. وهكذا نجد أنفسنا من جديد أمام تقسيم غير متكافئ للعمل الثقافي؛ إذ أن عولمة الثقافة تعني احتكار أمريكا للثقافة العالمة من جهة، ثم احتكار تصدير ثقافتها المتدنية لكل بقاع العالم من جهة أخرى.

اذن فتأثير العولمة في الجانب التربوي والتعليمي هي من اخطر سلبيات العولمة فقد استغلت العلم والمعلومات والتقنيات الحديثة واجهزة الاعلام من خلال الشركات قصد فرض النمط التربوي المعولم وتكريس افكار تربوية في عقول الاجيال تؤكد على قيم المادة والربح، واعتبار المؤسسة مقاولة تحقق الارباح حتى اصبحت ظاهرة الربح ظاهرة سلوكية لا يمكن الفرار منها.. وتحولت المادة التعليمية الى بضاعة تعلب وتباع في الاسواق، وكما يقول بعض المفكرين: نحن أمام خطين وهما: خط كان يخشى أن يتحول الإنسان إلى ما يشبه الآلة وخط آخر صار يخشى إن تتحول الآلة إلى ما يشبه الإنسان.

و مما يستحضر في هذا المجال ما لخصه “ديل و روبرتسون” إلى القول أنه “يجب أن ينظر للتعليم في محتواه وسياسته الإدارية من اعتبارات إقليمية المنشأ، ومن الكيفية التي تعدل هذه المناطق سياساتها التعليمية تماشياً مع عملية العولمة“(4). ويضيفان أن أجندة التعليم ذات المنشأ العالمي تتسع بشكل مطِّرد، في حين أن الالتقاء والتوافق بين الممارسات أو السياسات القومية لم يحظَ بالاتساع ذاته. و كما قالت الدكتورة بوجمعة عويشة: “نحن نعيش في الألفية الثالثة، وهذا عصر العولمة وتبادل المعلومات، ومن لا يفهم ذلك أو لا يقبل أن يفهمه، سوف يبقى حتما خارج مسيرة التاريخ“(5)

تأسيسا على ما سبق، فقد أضحت العولمة تكتسح مختلف الأنظمة التربوية والتعليمية، حيث اتجهت بالأساس إلى حصر حاجيات المواطنين على المستوى التعليمي، وتأهيل المدرسة بتعزيز مهامها على مستوى التحديث والتغيير، من أجل تشكيل ثقافة في مستوى متطلبات عصر العولمة، وجعل التلميذ مواطنا كونيا قادرا على مواجهة التحديات والتفاعل مع متطلبات مجتمع الشبكات ومسايرة عصر العولمة و شروطها في ظل التحولات العالمية الراهنة.

هوامــش:
(1) – روجيه جارودي ، “العولمة المزعومة – الواقع- الجذور- البدائل”، تعريب محمد السبيطلي (د) ، دار النشر و التوزيع صنعاء، 1998
(2) – ساسكيا ساسن، سوسيولوجية العولمة، نورتن- نيويورك 2008
(3) – بول سالم، “الولايات المتحدة والعولمة، معالم الهيمنة في مطلع القرن الحادي والعشرين، المستقبل العربي”، مركز دراسات الوحدة العربية، السنة العشرون، عدد 229، فبراير 1998، بيروت.
(4) – مقالة ديل و روبرتسون 2002 “التأثيرات المختلفة للمنظمات الإقليمية في ظل عولمة التعليم”.
(5) – بوجمعة عويشة، ” العولمة و الترجمة و أثارها الاقتصادية”، أطروحة الدكتوراه – 2013.

العولمة و تأثيرها على النظام التعليمي المغربي

إلياس الوليدي

طالب في علم الاجتماع بمارتيل، إطار إداري متدرب

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *