المواقف المؤلمة وقودنا للإستمرار

دور الأزمات في تنمية شخصيتنا

حياتنا مزيج من المواقف المؤلمة والمفرحة التي نعيش وقعها في نفوسنا، ومن المؤكد ان كل واحد منا يحتفظ بمواقف معينة اثرت به و تركت حمولتها داخله، منها مثلاً، فقدان اشخاص احببناهم، خسارات معينة مادية او عاطفية آلمتنا، علاقات وصداقات خيبت آمالنا فسببت لنا ألم نفسي، فرص تمنيناها لم نحصل عليها، اشخاص ضحينا بوقتنا و أيامنا لآجلهم وعند الشدة والازمات لم نجد منهم موقفاً جميلاً واحدا والعديد من مثل هذه المواقف التي اتعبتنا واستنزفت طاقتنا وسببت لنا الالم النفسي و لربما تساءلنا هل الخلل بنا؟أم هل نحن من نبالغ في إحساسنا وتأثرنا في تلك المواقف؟

ما يجب علينا معرفته اولا، ان لكل واحد منا شخصيته الخاصة وطريقته لتقبل المواقف المؤلمة تجعله مختلفا عن غيره.هنالك فئة تستسلم وتنهار وتنطوي على ذاتها وتفقد الثقة بنفسها وبالاخرين وفئة تقرر المواجهة و عدم الرضوخ.

و من هذا المنطلق، إذا أردت فعلاً أن تجتاز موقفاً مؤلماً في حياتك عليك ان تعشه كاملاً بكل مشاعرك لا تؤمن بالتخدير ولا التجاهل ولا أنصاف الحلول، وحدها المواجهة سوف تشفيك، من حقك أن تعيش مشاعرك مهما كانت (حزن،غضب،ندم ،لوم..الخ) بكل تفاصيلها، لكن لا تبالغ في البقاء تحت تأثيرها وقتا طويلا.
و تذكر دائما، ان أوجاعك المطولة، خيباتك الاليمة ستمضي بشكل أو بآخر ولن يبقى منها سوى أثر الدروس والعبر المستخلصة من هذه المواقف، ونسخة جديدة منك أكثر تماسكا و نضجاً وأقوى من أن تنهار.

فعلى سبيل المثال، عندما تتعرض لموقف مؤلم من قبل شخص كنت تظنه صديقك المقرب ولكنه خذلك عند اول موقف حدث بينكم.
كنت داعما له في كل المواقف وتقف سندا له في أكثر الاوقات شدة بالنسبة له ولم تتركه الا عندما تتأكد ان كل مشاكله لم تعد موجودة وساعدته في تحسين حالته المزاجية واخراجه مما هو فيه ولكن عندما جاء دوره هو ليقف معك لم تجده مثلما وجدك انت معه. هنا من الطبيعي جدا ان تمر بكل هذه المشاعر المؤلمة التي تم ذكرها فيما سبق لكن لا تفقد الثقة بالاصدقاء و تذكر العبرة و لا تنسى الدرس فالمواقف المؤلمة وجدت لتريها انت قوتك لتجتازها وتتجاوزها ولتأخذ انت زمام المبادرة وتحدد ما تريد وتقرر مع من تسطح علاقتك به، ومن تبقى على وُد وصداقة معه.

فموقف واحد قد يغنيك عن آلاف الكلمات.

فلن تغرك بعدئذ البدايات الجميلة ولن تخدعك الكلمات المنمقة ولا الادعاءات المثالية والوعود المغرية لانها كلها ستبقى بلا قيمة امام المواقف المتجسدة في التصرفات التي سوف تختصر الطريق عليك لتتعرف على حقيقة ما يقال.
لذا كن ممتناً لكل المواقف المؤلمة التي حصلت معك لانها كانت كفيلة ان تريك الحقيقة بلا تزييف او تنميق وادر ظهرك لكل شيء آلمك ولا تلتفت للوراء، ودائما اطرح هذا السؤال على نفسك امام أي موقف تتعرض له ،الا وهو ما أثر هذا الموقف علي هل اسمح له ان يدمرني ام يغيرني؟؟

كُن انت لنفسك السند، الآخرون لا يستطيعون مساعدتك على الخروج من حالة الألم بل عليك أن تساعد نفسك، هم يواسون ويدعمون ولكن القرار لك، لذا ارفض كل ما يمكنه ان يعبث بك، تعلم كيف تحول هزائمك الداخلية إلى نفس طويل يحثك ويدفعك على انتزاع القوة من فم الضعف ،وكُلما كُسرت ألصق نفسك بإبتسامة عريضة وأنظر إلى الامام فالمواقف المؤلمة وقودنا للاستمرار، قاوم ولا تسمح لأي شيء ان يكسرك و يعرقل مسيرك ..

وبالاضافة الى كل ما ذكر سابقا ،عليك ايضاً أن تتعلم كيف تتعايش وتتصالح مع المواقف المؤلمة دون أن تسمح لها ان تؤذيك بشكل مفرط ،دون أن تفقدك القدرة على أن تكون سعيدا مرة أخرى.

المفتاح هنا هو طريقة تصور عقلك الواعي للمواقف المؤلمة، فإن اعتقدنا بأن ما مررنا به هو حالة طبيعية يتعرض لها الكثير في خضم الحياة، حينها سنتوقف عن التفكير بهذه المواقف كحالة ثابتة و وضع نهائي، عندها سنصبح قادرين على النهوض من جديد..

وفي الختام تذكر، لولا المواقف المؤلمة التي تعرضنا لها، لما استطعنا ان نجعل من الصعب المستحيل حقيقة معاشة وواقعا أجمل مما تخيلناه في يوم من الأيام، ولولاها ايضا لما استطعنا ان نكتسب آليات جديدة للتكيف مع المواقف المؤلمة و تخطيها.
صحيح انه لا يمكننا حصر كمية المواقف المؤلمة التي نمر بها في حياتنا اليومية،الا انها وحدها من تصقلك وتعلمك وتجعلك تعيد النظر والحسابات في الكثير من الامور.
و كما قال الدكتور ابراهيم الفقي:
“جميعنا ومن دون استثناء، نحتاج إلى سلة مهملات داخل مخيلاتنا، لنضع فيها الكلمات المزعجة والمواقف الأليمة، وكذلك بعض الأشخاص.”
لذا احرصوا بكل ما أوتيتم من إمكانيات على عدم ترك تأثير هذه المواقف المؤلمة تسرق سعادتكم منكم، فتجدوا أنفسكم محاطين بدوامة الحزن والوجع والقهر، بل كونوا أكثر جرأة على رفض كل ما لا ترضاه أنفسكم، و لا تسمحوا ابدا لهذه المواقف ان تدمركم و تخطف بريق روح الحياة منكم .

المواقف المؤلمة وقودنا للإستمرار

ابتسام عطالله الرمحين

كاتبة في عدة مجلات و صحف إلكترونية ليسانس ترجمة لغة انكليزية صدر لي كتاب بعنوان من التبرير إلى التغيير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *