جريمة في حق مهنة التمريض

المشاكل التي يعاني منها القطاع الصحي ــمهنة التمريض نموذجاـ

من الجيد التعريف بدور الممرض كي ندرك قيمته في مجتمعنا الذي أمسى يعامل الجاهل كالعالم، أصبح الكل عنده سواء.
فمنذ الإعلان عن ظهور فيروس كورونا إلى يومنا هذا، كان الجسم التمريضي في مواجهة مباشرة مع مرضى حاملي للفيروس، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الروح المهنية للممرض التي تتسم بالشجاعة والوقوف بشموخ بدون تردد أو خوف أمام هذه الجائحة التي فتكت بملايين الأرواح، لم ينسحب من المعركة ولم يقدّم استقالته بل تقدم للأمام وبخطوات وثيقة.

وبدون أن نفصل الكلام عن الأخطار التي يتعرض لها الممرض أثناء مزاولته للعمل فهو في مواجهة دائمة مع أمراض معدية خطيرة كالسيدا والتهاب الكبد والسل والتهاب السحايا… التي تنتقل عبر الدم و أخرى عبر الهواء، فمن الواجب أن نقر ونعترف ولو قليلا بالدور البطولي الذي يلعبه الممرض في مجتمعنا هذا.

وبغض النظر عن النقص المهول للمستلزمات الطبية في المراكز الصحية يضطر الممرض أن يعمل رغم الظروف المزرية التي يمر منها ميدان الصحة.
وبعد أن تم الإعلان عن بداية اللقاح كان الممرض من جديد المُشرِف عن هذه العملية بكل تفاني وإخلاص في العمل، فحيثما هناك مصلحة شاملة للمجتمع كان الجسم التمريضي في الواجهة ليمنح بدون أن ينتظر مقابلا.

بينما الواقع المُعاش لا يعترف بالميادين التي تستهلك أكثر مما تنتج ولو كان إنتاجاً معنوياً ولهذا نرى أن الميزانية التي تُوفّر لقطاع الصحة ضئيلة جداً لا تستجيب لحاجيات الشعب الفقير.
إنّٓا نريد أن نلقي الضوء على نظام التعاقد الذي أصبح الهاجس الذي يهدد كل خريج أو طالب تمريض، فهو إهانة كبرى في حق هذه المهنة، فهذا العقد الذي يُبرم بين المُشغِّل والعامل لأجل مسمى لهُوٓ أكبر صفعة يتلقاها الممرض من قبل الدولة، كيف بكم أن تهينوا ممرضا مجازاً من قبل الدولة بإجازة مهنية مكتسباً خبرات علمية ناهيك عن التدريب في مختلف المستشفيات صباحاً مساءاً بإبرام عقد عمل لفترة محددة وإخراجه أو بصريح العبارة “طرده” من الوظيفة العمومية وتجريده من كل الحقوق المشروعة؟؟

إنها انتهاكات لمهنة التمريض وتعدي صريح على حقوق الممرض، فلا بد من رد فعل يلغي هذا النظام الذي يعتبر مذلة للمهنة وضياع لكرامة الممرض بإعلاء صوت الإنكار والمطالبة يإلغاء نظام التعاقد.

بيد أن مجتمعنا لا يعترف بالحوار ولا يقدس مفهوم الإستماع للآخر أو حتى احترامه لأنه يتبنى فكراً أحدياً أي (أن فكره هو الوحيد الصحيح فحسب ولا داعي للإستماع للغوغاء)… وهذا ما نراه بوضوح في الوقفات الإحتجاجية السلمية لطلبة وخريجي معهد التمريض وما يتلقونه من طرف السلطات من قمع وتهميش وضرب بالعصي وإلقاء القبض بل واستجوابهم في مراكز الشرطة… كأنهم لصوص أو قتلى وما اقترفوا ذنباً.. بل ذنبهم الوحيد هو الغيرة على مهنة التمريض.

مٓثٓلُ واقعنا صوّره الأديب الكبير ابن المقفع في كتابه “كليلة ودِمنة” حيث يقول :{ فإنا على ذلك قد نرى الزمان مدبرا بكل مكان فكأن أمور الصدق قد تورّعت من الناس، فأصبح مفقوداً ما كان عزيزاً فقده، و موجودا ما كان ضاراً وجوده ، و كأن الخير أصبح ذابلاً و أصبح الشر ناضراً ،و كأن الغيّٓ أقبل ضاحكاً و أدبر الرشد باكياً ، و كأن العدل أصبح غائراً و أصبح الجور غالباً، و كأن الكرم أصبح مدفوناً و أصبح الجهل منشوراً…و أصبحت الدنيا جذلة مسرورة مرحة مختالة تقول : غيّٓبتُ الحسنات و أظْهرتُ السيئات }.
إن المجتمع الذي يجهض الحلم قبل أن يتحقق، ويدوس بجبروته وطغيانه على كرامة المتعلم لن يعرف طريق الحضارة، سيبقى يتعثر ما شاء الله له أن يتعثر ولن يهتدي يوماً، إنه يعاني من عسر الحوار وغياب الديموقراطية وعدم الإنسجام ببن السلطة والشعب مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين الإثنين وغياب التفاهم و صراع الأفكار.
بيد أن الحق حق ولن يغيره زمان ولا مكان، وسيبقى النضال واجب من كل الأوجه، والوقوف في وجه الظلم حق مشروع.

جريمة في حق مهنة التمريض

فاطمة الزهراء عابيدي

ممرضة متدربة بمدينة العيون، 20 سنة، عاشقة للتدوين وشغوفة بالقراءة العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *