الوداع الأخير

رسالة

ها قد عدت مجددا وعادت تتخبط الكلمات بين أناملي، أعلم أن غيبتي طالت بشكل مفرط، لكني ظننت أنني بخير، ظننت أن جروحي تعالجت وتعافيت من الكتابة والتأمت حروفي من جروحها. الحدث مؤلم والحديث عنه أكثر ألما والكتابة وجع، فأين المفر من الوداع؟

على أي، هذه المرة رسالتي مختلفة عن سابقاتها، هذه المرة لا طاقة لي في كتابة أية تقديمات، بمزاجي السيء هذا الذي لا يسمح بالتعبير أكثر وهذه الحروف التي تَخِزُ جروحي..

أتتذكر يا عزيزي القارئ تلك الفجوة التي حدثتك عنها مسبقا، ذلك الثقب الأسود الذي كان ينخر في أعماقي –رسالة شاردة “تيه في العدم”-، ظننت أنني ملأته وتقدمت في معالجة خدوش الحياة، ظننت أن الحياة تستمر في الضغط علي لكنها لا تأخذ الشيء الكثير فلي سند أعظم من كل الآلام، ظننت وخاب ظني! أنا لست بخير تماما، يبدو أن خدوشي هذه المرة أعمق من سابقاتها، هذه المرة أحتاج إلى ضمادات أكثر من ذي قبل أحتاج علاجا فعالا، أحتاج كتفا أسند عليه كل هذه الفوضى، في أمس الحاجة أنا إلى من يواسيني، يقول لي أن كل شيء سيكون على ما يرام..

علاجي هذه المرة ليس بيدي ثم لا طاقة لي في محاربة كل هذا الحزن والألم والفقد، قد تبدو لك كلماتي محبطة منهزمة، لكن صدقني عزيزي، هي نتاج لمدن كاملة انهارت بداخلي، مجزرة أحلام عبثت بها أنت والزمن وتركتماها جريحة محطمة المناكب.

تغزوني مشاعر قاتمة، يوجعني هذا الفراغ بداخلي الذي لا تعيره اهتماما، يبكيني أنك لم تجتهد في شيء للإصلاح كما اجتهدت في خذلانك لي، أكتب لك بعد ليال نوم متقطعة وأرق خرب أفكاري، الحياة بعدك تقف رأسا على عقب والأيام لا تمضي، لا شيء بعدك يمضي حقا، أكتب هذه الرسالة بعد أن نفذت كل محاولاتي في إصلاح الوضع، أكتب هذه الرسالة بعد أن فقدت منطقتي الآمنة شخصي المفضل، سندي في الحياة..
انتهى ما بيننا حقا!

صورة تعبيرية

لا تتفاجأ كان قرارا متوقعا بعد كل البرود الذي رمقتني به، تلك العينان الشاردتان اللتان لم تعدا ترياني أمامهما رغم حضوري، ذلك العناق البارد. لم أعد قادرة على التحمل أكثر من هذا ضقت ذرعا وغصت في اكتئابي ويأسي بسببك، كان من الممكن أن يكون الوضع أفضل..

وقفت أمامي ورددت بكل ما أوتيت من قسوة أنك مللت الوضع هنا مللت من تصرفاتي ومزاجيتي الحادة، فقط مللت. أشعر أحيانا أنك لم تحبني قط، بل أحببت تفهمي لك واحترامي لكل شروطك، بل أحببت حبي لك. أحاول البحث في قواميسي علني أجد كلمات أعبر لك بها، لكن هذه الغصة تستمر في خنقي، دقات قلبي تتزايد، حاولت مرارا ألا أريك من هشاشتي وضعفي شيئا، لكن هذا العتاب والبوح مؤلم جدا، هذا الوداع مؤلم، الحياة بدونك مؤلمة.. لا أعلم ماذا يمكن أن يقول المرء في رسالة الوداع، هل يجب أن أعبر لك عن حبي؟ هل يجب أن أفسر لك دوافعي للرحيل؟ ترى هل يجب أن أرحل في صمت؟

كان يجب أن تعلم أن قراري هذا سيحين موعده عندما توقفت عن مشاركتك حزني وتوقفتَ عن سؤالي، صحيح أنه في غيابك أصبحت أخوض كل هذه المعارك من الأحزان وحدي، لم أعد أجد جدارا أتكئ عليه، تمكن الحزن مني ولم يشعر بي أحد مثلما كنت تفعل أنت، لا شيء من هذا حقا يمضي، ينخرني كل هذا حد النخاع يتغلغل في أعماقي هذا الحزن والفقد، لكن حبك لم يعد موجودا مساندا ولا طاقة لي في محاولة استعادته، كنت أعلم أنني أقتل نفسي في بقائي معك، انتحرت في سبيل لحظات بقربك، لكني انتحاري لم يكن ذا معنى بالنسبة لك..

نعم يوجعني غيابك حقا، ويوجعني أنك لم تعطني سببا في الاستمرار معك، يوحعني أنه يجب أن أتخذ قرار الوادع هذا، وتوجعني أنت..
لا زلت أحبك لكن الأمر لم يعد يكلف أي عناء، فلنفترق ها هنا، ولتسلك طريقك بقلب سليم وأُكمل أنا في حال سبيلي بقلب موجوع، في هذا الخراب الذي خلفته من بعدك، ستحزن قليلا وسأبكي كثيرا، ستسترد عافيتك ولو بعد حين، وسأكمل الطريق جريحة مريضة دون أن تعلم عن احتياجي الشديد لك أو عن حبي اللامتناهي، ستنجو أنت من كل هذا وسأعلق أنا، ستجد سببا لتكرهني الآن، بينما وجدتُ ملايين الأسباب لأكرهك ولم أفعل..

أحبك للمرة الأخيرة، وداعا!

الوداع الأخير

أمينة قاصد

-مدونة وكاتبة. -طالبة بسلك الماستر علوم سياسية وتواصل سياسي. -حاصلة على إجازة مهنية تخصص صحافة قانونية واقتصادية. -حاصلة على الإجازة الأساسية شعبة قانون خاص.

‫6 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *