هروب من “بؤس” الوطن

هجرة جماعية

بين غزة وكاستييخو لم يعد هناك فرق لمفهوم المعاناة، فهنا في شمال المملكة المغربية هرب الناس بالآلاف من مدينة الفنيدق نحو مدينة سبتة المحتلة، بينهم أطفال قُصّر ورضع وشباب يافع، نحو المدينة الحدودية طمعا في الهروب من “بؤس” الوطن والعبور إلى وهم “فردوس” أوروبا.

صور مستفزة انتشرت في كل مكان، لأطفال قاصرين، بأجسادهم الهزيلة وبضع أقمشة تستر عوراتهم، يقفون في صفوف متراصة داخل مستودع بمدينة سبتة بعدما نجحوا في الوصول إليها سباحة، مساء الاثنين 17 ماي 2021.

في مشاهد استثنائية تقشعر لها الأبدان، ودعت أمهات على جنبات الشاطئ فلذات أكبادهم الصغار وهم يغوصون بين الأمواج عبورا إلى المدينة الحدودية، لعلهم يصلون  أحياء ويجدوا حظهم في العبور نحو أوروبا، ليحققوا حلما صار صعبا على تراب وطنهم، حلم العيش الكريم.

صورة للأطفال المهاجرين المغاربة من أحد مستودعات التخزين بسبتة السليبة

واقع الهروب الذي شهدته مدينة الفنيدق، يأتي في سياق ما تعرفه المدينة من أزمة اقتصادية، تفاقمت بعدما قررت السلطات المغربية إغلاق معابر التهريب المعيشي بين المدن المحتلة ومدن كالفنيدق والمضيق وتطوان وغيرها، إذ تضررت مئات العائلات من هذا الإغلاق حيث كان التهريب مصدر رزقهم الوحيد.

 وبينما يتمسك أطفال غزة بوطنهم تحت قصف صواريخ الاحتلال، هرب أطفال مغربنا من حضن وطنهم في أول فرصة أتيحت لهم بعدما رفعت السلطات المغربية رقابتها على السواحل الحدودية مع إسبانيا كردة فعل سياسية؛ هروب جماعي أظهر حجم يأس هؤلاء من وطنهم في ظل حكومة كسابقاتها لم تولي منطقة الشمال اهتماما كبيرا في البرامج التنموية علما بأنها من أغنى مناطق المملكة، تحتاج ساكنتها الاستثمار في مشاريع تنتشلهم من رقعة الفقر إلى وظائف تحفظ كرامتهم وتؤمن لهم العيش الكريم.

هؤلاء الأطفال بعد عبورهم غطت الفرحة وجوههم، لم يرعبهم الموت الذي تربص عددا منهم فاختطفهم من الحياة، ففردوس أوروبا أكبر من الموت في سبيله، فكيف سيفوتون فرصة بضع ملتمترات من مياه البحر، في ظل غياب أي رادع بل وبمباركة أهاليهم.

إن ما حدث بين أمس واليوم من سيل المهاجرين المغاربة العابرين للأمواج وصولا إلى مدينة سبتة المحتلة، كان متوقعا من قبل السلطات المغربية كردة فعل لعدم تجاوب السلطات الإسبانية بعدما طلب وزير الخارجية ناصر بوريطة ردا مقنعا حول استضافة الجارة الإسبانية زعيم ميليشيات البوليساريو إبراهيم غالي، المتهم في جرائم قتل واختطاف وتعذيب واغتصاب ضد مغاربة مخيمات تندوف.

في رسالة موجهة إلى إسبانيا، قال الوزير المغربي “إنه لا ينبغي الاعتقاد بأن قضية الهجرة “علاقة انتقائية”، إذ كلما تعلق الأمر بالتآمر مع الجزائر والبوليساريو يغادر المغرب شاشة الرادار الإسبانية، لكن عندما نتحدث عن الهجرة أو الإرهاب نعود لنصبح مهمين مرة أخرى”، مشددا  أن المغرب يرفض أن يكون “دركي” الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بقضايا الهجرة.

فيديو تحت عنوان -السلطات المغربية تستعيد الهدوء في “الفنيدق” بعد محاولات الهجرة إلى “سبتة”-
عن قناة #العربية على اليوتيوب

كلام بوريطة تحقق بعدما رفضت إسبانيا الرد المقنع، واكتفت بأن استقبال زعيم جبهة مجرم كان بدوافع إنسانية، فرفع المغرب يده ومدّ رجليه على الحدود في وضع المتفرج لآلاف المهاجرين المغاربة والآفارقة وهم يهرولون نحو السياج الحدودي مع مدينة سبتة، وكأنهم كانوا متأهبين لاصطياد فرصة لن تكرر، ليهربوا دفعة واحدة.

السماح للآلاف من المهاجرين العبور إلى الضفة الأخرى هدفه وضع السلطات  الإسبانية أمام الأمر الواقع، وجعلها تدرك أهمية الدور الطلائعي الذي يقوم به المغرب في صد الهجرة غير القانونية إلى أوروبا، كما هدفه دفع الاتحاد الأوروبي للضغط على إسبانيا للإستجابة لطلب المغرب في ملف تقديم إبراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو للقضاء. إلا أنه يعاب على المغرب استعمال الأطفال وبؤس اليافعين كورقة ضغط، فلو سمحت السلطات للأفارقة من جنوب الصحراء بالعبور عوض المغاربة، لما عاب مغربي عاقل هذا القرار.

هروب من “بؤس” الوطن

‫2 تعليقات

  1. مقال رائع ومعالجة صائبة للمضوع للأسف ابناءنا يتنازلون عن وطنهم في اول فرصة تتاح لهم وهذا يدل على اشياء كثيرة…..ربما عدم ذكرها يعطينا فرصة لعدم تعريف اطفال آخرين بها من اجل بقائهم معنا……

  2. مقال متميز وتحليل جيد لظاهرة صارت تؤرق بال الجميع يتقاطع فيها السياسي بالاجتماعي فالاقتصادي وغيرها… كل التوفيق صديقتي فاطمة الزهراء الصحفية المتألقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *