حذاري يا رجاء

غيض من فيض المشاكل التسييرية للنسور الخضر

مع هدوء الليل وضوء القمر، تحن روحي دوما للسهر والكتابة، وللاطلاع على جديد محبوبتي، ساحرة القلوب المستديرة، إلا أنني أجد نفسي في بطولة كتب “احترافها” على الورق بحبر خفي شفاف، فلم يخلُ محيطها يوما من الأزمات والخلاف.

ولأن “الانحراف” في البطولة أصبح عادة، لم أجد من حل سوى تغيير بوصلة هاتفي، من أقصى شمال القارة السمراء، إلى جنوب غرب القارة العجوز، لمشاهدة نجم أمطر العالم بسحره، وإن غاب مطره يختل مناخ برشلونة، فاستقبل قلبي قطرات من روائعه، لعلها تنسيني ولو لبرهة من الزمن ما يقع في بطولتي.

اخترت من مباريات البرغوث واحدة، يجوز تشبيهها بنص متماسك الأفكار وبليغ اللغة، الفاعل فيه إن تواجد مع فريقه انتصر وإن غاب اندثر، والمفعول به مجرور لفظا وعلامة جره، كسر في ظهره.

أسلوب لعب ضربته ركاكة رسالة صديق في مقتل سألني فيها عن ما يقع في الرجاء، غيرت اتجاه البوصلة من جديد، من إقليم كاتالونيا إلى الدار البيضاء وأجبت بالقول: إن نسر الرجاء ضل الطريق في السماء، فأضحى حاله اليوم يدعو للبكاء.

أجابني صديقي بالقول: “أليس لكل وردة محب يسقيها؟ أين حكماء الرجاء؟ أين لاعبوها؟ أين هم فلاسفة الزمان؟ وماذا عن رواد الفضاء؟ أين وأين وأين… لم يأخذ صديقي من النبي أيوب سوى اسمه ونسي صبره، صبر انقضى عند رؤية فريق لم يعرف مؤخرا للاستقرار سبيلا، وعند رؤية أطراف متداخلة، جيشت الجماهير، وضغطت على اللاعبين وقادت حربا شعواء على النادي خدمة لأجندات خاصة.

أعدت شريط ذكريات الرجاء، من عهد عبد السلام حنات، وصولا لمرحلة رشيد الأندلسي، فوجدت أن كل من تعاقب على الجلوس في كرسي رئاسة الرجاء، استمتع بالشرب من كأس الشعبوية والعشوائية، بل أدمن على الانخراط في مشاريع لا قدرة للرجاء حتى على المرور بجانبها.

وحتى من تمرد النسر في عهده على كبار القارات، أربكته ال10 ملايير التي وصل إليها الفريق في زمنه، فتعاقد مع ثمانية لاعبين بطلب من فاخر، وبطلب من الأخير أيضا تم فسخ عقودهم، ولم ينل رضى الجنرال سوى عصام الراقي، أما الآخرون، لم يأبه أحد بمصاريف فسخ عقودهم.

فريق-الرجاء-الرياضي-البيضاوي
فريق-الرجاء-الرياضي-البيضاوي

ولم يجد بودريقة من حل بعد انفجار أزمة الرجاء بعد المونديال سوى أن يحاول تمويه جماهيره المتعطشة للألقاب، وتحويل بؤرة الاهتمام لغريمه الوداد بعبارات ناسفة شككت في مصداقية الجامعة والعصبة، واتهمتهما بالتحيز للنادي الأحمر الذي لعب في الكونغو ضد مازيمبي، وعاد ليواجه الكوكب في لقاء مؤجل، ومولودية وجدة كذلك بعد 3 أيام، دون أن يشتكي من تراكم المباريات أو من إغلاق مركب محمد الخامس بسبب شغب فصائل الرجاء، وكأن كل الممارسات الدنيئة لم تكتشف طيلة فترة اشتغاله في الجامعة، بل كشفت فقط حينما عجز الرجاء على تسديد رواتب أطره التقنية والإدارية والفنية لثلاثة أشهر.

جاء سعيد حسبان لخلافة بودريقة، وتأكد بالملموس أن كل ما قيل في عهد من “حشر في قوائم الرجاء السوداء” كان باطلا، لنسترجع معا شريط الأوهام من جديد، أتتذكرون حين قال بودريقة إن الرجاء سيحاكي كبار القارة بالوصول إلى موازنات مالية تقترب من عشرة مليارات من السنتيمات؟ وهل تتذكرون حينما صرح خلفه حسبان أن مديونية الأخضر تناهز 16 مليار؟ من حقكم أن تتساءلوا عن سر هذا الانقلاب يا محبي الرجاء، ومن حقكم أن لا تتفقوا مع إجابتي، فلا سر في مرور الرجاء من النقيض إلى النقيض سوى عدم احترام مسيريها لقواعد الحكامة المالية.

وكذلك كان في عهد جواد الزيات، ورغم ما جلبه من مستشهرين وما حققه النادي من بطولات، فالديون كانت تتفاقم في ظل غياب مشروع تسويقي ينمي موارد النادي، “فالماركوتينع” لا يقتصر على بيع قميص “الريمونتادا”، والرجاء لم يستعد عافيته بألقاب “العالمي” و “نادي القرن” و”معسكر العلم”.

وما زاد الطين بلة رضوخ الزيات لضغط الجماهير واتباعه سياسة تجديد عقود الركائز والرفع من رواتبهم، وما لم ينتبه إليه الرئيس أن الرواتب تبقى مستقرة طيلة المواسم الموقع عليها في عقودهم، الشيء الذي أدى إلى ارتفاع كتلة رواتب فريق قريب من السكتة القلبية. هذه السياسة غاب المنطق في طياتها، ومن جُددت عقودهم لم يحققوا إنجازات سعد بقير وغيلان الشعلالي ويوسف البلايلي الذين لم تتردد إدارة الترجي في بيعهم وجلب لاعبين أثبتوا أن إمكاناتهم تفوق إمكانات من رفعوا الأميرة السمراء مرتين تتويجا.

وليس هناك كذلك من صورة تترجم حجم البلاء وعظم المصيبة التي يعيشها الرجاء سوى صورة رشيد الأندلسي والمستقيل جمال السلامي وهم يقدمان الوافد الجديد بدر بولهرود بصفقة ناهزت 400 مليون ،وبعد مرور أسابيع قليلة كان الرجاء في حاجة إلى “صينية” لتأمين سفره إلى زامبيا.

لا أريد صياغة خطابات الرثاء بقدر ما أريد أن أحيلكم على المسببات الحقيقية التي جعلت الرجاء قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت، وبعيدا عن ما تكتبه “أقلام الاسترزاق” فلو طبق القانون بحذافيره لكانت الرجاء مثل فرق لا يذكر الناس أسماءهم إلا تحرقا وألما، لكن القانون يخرق من طرف الذين يفترض بهم حمايته، فما سيعطي المصداقية لخطابات رئيس الجامعة هو أن يمتثل هو الأول للمقتضيات القانونية، لكن الصيغة التي عُيِّن بها الرئيس الجديد لفريق النهضة البركانية مخالفة لمنطق الحكامة التي أصبح الجميع يتغنى بها، بمن فيهم السيد فوزي لقجع.

لسعد-الشابي-المدرب-الحالي-للرجاء-البيضاوي
لسعد الشابي، المدرب الحالي للنسور الخضر

وبعد خسارة الرجاء في آخر ديربي، لم يرى جمهور الفريق من مسؤول عن الهزيمة سوى جمال السلامي، وكما هو معروف في عرف الديربي، فعلى قدر الهدايا التي يقدم، فهو لعنة تضع الرقاب تحت المقاصل، لا جدال ولا خلاف أن السلامي يتحمل المسؤولية الكاملة في الخسارة أمام الغريم، لكن على أي أساس تم تقييم عمل المدرب؟ ما يزعجني فعلا ذاكرة بعض الجماهير القصيرة التي لا تذكر للسلامي أي حسنة مع الخضر، وإن كان البعض ينتظر “الفراجة” وسط رقعة الميدان، فالفرجة لن تتحقق إلا بتسوية الأوضاع المالية للاعبين، وحتى الحوافز لن تجدي نفعا مع من يدين للفريق بأزيد من 200 مليون.

قدم الشابي لخلافة السلامي، ولم أعرف بالضبط ما هي الأسس التقنية والفنية التي رجحت كفة التونسي على أسماء أخرى لقيادة سفينة الرجاء، لكن الثابت أن العامل المادي لعب دورا أساسيا في هذا التعاقد، زد على ذلك قبوله استمرار الطاقم التقني الذي اشتغل مع السلامي.

بدايات الشابي مع الرجاء لقيت استحسان جماهيره الراغبة في حصد أخضر الألقاب ويابسها، لكن مع مرور المباريات تبين بالملموس أن بيت الرجاء مازال يعيش على وقع العديد من التسيبات، فلم يعد هناك من وقت لتكرار خطاب الأسى والحزن، وإذا أراد الشابي النجاح، فما عليه سوى تغيير عقلية لاعبيه، والتحكم أكثر فأكثر في مستودع الملابس، فلا مجال للخروج عن النص، ولا حاجة لي أن أذكر أن ما وقع مع بعض اللاعبين وجب التصدي له، فحذاري يا لسعد أن تُخدش علاقتك مع لاعبيك؛ تذكر دائما أن العاقبة واحدة، فاضرب وأوجع كل مستهتر بقميص النادي، وحذاري يا رجاء من تصدير أزمة أخرى غير التي يتخبط فيها الفريق، فاجتياز هذا المستنقع يحتاج للحكمة قصد تدبير هذه المرحلة بمطابتها ورهانتها وتحدياتها.

حذاري يا رجاء

إدريس عموري

طالب صحافي مهتم بالمجال الرياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *