عزوف الشباب عن الزواج إلى متى

الأسباب والحلول

الزواج سنة الحياة، لكن في عصرنا الحالي أصبح الزواج شيئا صعبا بل ومخيفا أيضا ربما في نظر الكثيرين لما يرونه من مشاكل بين الأزواج في المجتمع أو ما يقرؤونه في الجرائد أو على المواقع الإلكترونية من ارتفاع حالات الطلاق، وهذا يكون خوفا في نفوس الشباب والفتيات.

إن الزواج هو ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين؛ فالزواج شراكة دائمة، وصحبة منتقاة، وعهد موثق، وميثاق مقدس. والإسلام لم يحدد سنا للزواج إلا أنه حث الشباب على الزواج المُبكر، فقد قال الحبيب عليه الصلاة والسلام “يا معشر الشباب، مَن استطاع الباءة فليتزوج، فإنّه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء” (صحيح البخاري).
إذ لولا الزواج لما كان للبشر أن ينتشروا في الأرض ويعمروها، وأصل الزواج يكون بالاقتران الشرعي بين الذكر والأنثى، بالمهر الميسّر، وأما ما تستلزمه العادات الشعبية، فمجرد إضافات يلهو بها الناس ويتفاخرون، ولا جدوى منها غير تحمّلِ النفقات الزائدة..

وتعد أسباب عزوف الشباب عن الزواج كثيرة جدا منها :
• ارتفاع نسبة الفقر وتفشّي البطالة بين أبناء المجتمع: تعد السبب الرئيسي لعزوف الشباب عن الزواج وذلك بسبب ما يتطلبه الزواج من تكاليف ونفقات مرتفعة جدا وكثيرة، قد لا يستطيع الشاب توفيرها، بالإضافة إلى ذلك فإن معظم الشباب لا يستطيعون تحمل نفقات الحياة الزوجية وتكوين أسرة وإنجاب الأطفال؛ وذلك بسبب تدني الأجور وغلاء المعيشة، لذلك يفضل الكثير تأجيل الزواج إلى أجل غير مسمى حتى يجمع بعض المال ليستطيع تحمل أعباء الزواج المادية

• غلاء المهور: الذي ينضاف لارتفاع نفقات الزواج وكثرة الطلبات من أهل العروس الذين ينسون قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «أقَلُّهُنَّ مَهراً أكثرهنَّ بَرَكَةً». ناهيك عن حفلة العرس التي أضحت مكلفة جدا مما يجعلها عبئا على المتزوجين، فهي لم تعد حفلا لإشهار الزواج ومباركته بل صارت مدعاة للتفاخر على العائلة والأصدقاء والمنافسة.

• الخوف من الزواج: وذلك بسبب المشاكل العائلية وارتفاع نسبة الطلاق، والعنف الذي يعايشه العديد من الشباب والفتيات وغياب الاحترام والمحبة والسكينة من المنازل.

• الدراسة: والنظر إلى الزواج كعائق أمام تحصيل أعلى الدرجات التي توصل لتحقيق الطموحات والتطلعات؛ لذلك أغلب الشباب -وبالخصوص الفتيات- يرفضون الزواج لأنه يكون عائقا أمام استكمال دراستهم (وأغلب الشباب يشترطون منذ البداية على الفتاة عدم استكمال الدراسة والمكوث في المنزل).

العزوف-عن-الزواج
صورة تعبيرية

• التربية وأسباب نفسية: حيث تغيرت تربية الآباء للأبناء فترعرعوا وهم فاقدون القدرةَ على تحمل المسؤولية وترعرعوا دون توعية مناسِبة وتفهّم لمعاني الزواج وتحضيرهم منذ الصِغر للقيام بدورهم في المستقبل. ويمكن أن يكون السبب الحقيقي لعزوف الشخص عن الزواج نابعا من عوامل وتأثيرات نفسية، والتي قد تكون في مجملها نتيجة لبعض التجارب السابقة المؤلمة، وغالبا ما يبدأ هذا الإحساس في مرحلة الطفولة، مثالا على ذلك نشأة الطفل في بيئة قاسية وخالية من الحب والمودة، أو معايشة الطفل لتجربة طلاق والديه؛ هذه الأمور كلها ستجعل من الصعب على الشخص الدخول في علاقةٍ جادة تنتهي بالزواج.

• انتشار الفساد: حيث يعيش الشباب الحالي انفتاحا واسعا على باقي الثقافات بصفة عامة والثقافة الغربية بصفة خاصة (التقليد الأعمى) بحيث أن الحضارة الغربية لا تعترف بالزواج كمؤسسة اجتماعية، وعلى عكس ذلك تعترف بالحرية الجنسية والجسدية، وهذا الدأب صار عليه كثير من الشباب للأسف.

• الخشية من المستقبل في ظل الظروف القاسية المحيطة.

• هجرة الشباب بسبب الأوضاع الأمنية أو الاقتصادية وزواجهم من أجنبيات.

• أزمة الثقة بين الشباب والشابات: فقدان الثقة بالمرأة نتيجة تجربة أو سماع لتجارب الآخرين دون التأكد من صحة ما سمع، وكذلك بنسبة للفتيات ..

• منع أولياء الأمور: يلجأ بعض الأهل لمنع ابنتهم من الزواج من رجل كفء ترغب في الزواج منه، كما يرغب هو في ذلك، أو العكس بمنع الأم زواج ابنها من الفتاة التي يرغب بها بحجة أنها اختارت له فتاة أفضل..

• رفض الكثير من الفتيات السكن مع أهل الشاب ابتغاء للاستقلالية وخوفاً من المشاكل في المستقبل.

• المستوى التعليمي العالي للفتاة وطلبها لمن يماثلها تعليميا أو اجتماعيا في حين رغبة الشاب غالبا بالفتاة الأقل منه سنا وعلما.

• تدخل الأهل وفرض آرائهم المغايرة لآراء أبنائهم، ما يؤدي إلى تأخر الزواج حتى إيجاد حل يرضي الطرفين.

• الكذب: فهناك بعض الأشخاص السيئيين الذين يشوهون سمعة الفتاة كي لا يتزوج بها فلان غيرة أو حقدا أو حسدا، فعندما يأتي الشاب للخطبة يقولون أنها سيئة وغيره من الكلام حتى لا يتزوج بها، وكذلك بنسبة للفتيات فهناك من يشوهون سمعة المتقدم لها كي ترفض. وهذا سبب لهروب الشباب من الزواج حيث يسمعون الكلام أو يشاهدون فتاة سيئة فيعممون؛ يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الآية 6 من سورة الحجرات)، فأحيانا نرى شيئا لكن ليس كما يبدو لذلك يجب التأكد دائما وأبدا.


لا أحد يمكن أن ينكر أن تأخّر سِن الزواج له انعكاسات وآثار سلبية كثيرة على المجتمع من جهة وعلى الشاب والفتاة من جهة أخرى، وتتمثل هذه المخاطر في النقاط الآتية:

*انتشار الرذيلة والفواحش والعلاقات المحرَّمة والانحرافات السلوكية والأخلاقية في المجتمع.
* انتشار الاكتئاب والقلق بسبب عدم وجود السكن والشريك وبسبب ضغوط المجتمع ما يؤدي إلى نشوء عقد نفسية.
* انتشار أمراض فقر الدم والوهن وفقدان الشهية والإدمان بنسبة كبيرة بين المتأخرين في الزواج.
* السخط على المجتمع وسوء التكيف الاجتماعي.
* الميل إلى الوحدة والانعزالية وتحميل الأهل أحيانا مسؤولية عدم الزواج ما قد يؤدي إلى العقوق.
* عدم استقرار المجتمع حين انتشار العنوسة وتعطيل القدرات لأبنائه في ظل الجوع للاستقرار النفسي والجسدي.
* كثرة حالات الانتحار والجرائم والاغتصاب والخطف.

الأسرة هي حجر الأساس الأول في بناء المجتمع، وهي الأساس الثابت، وبمدى صلاح هذه الأسرة بقدر ما يصلح المجتمع، فمشكلة تأخر الزواج مشكلة كبيرة وهي نتاج طبيعي لمشاكل اجتماعية وتربوية وثقافية.

ولحل هذه المشكلة لا بد من أن يهب جميع المعنيين للالتفاف عليها والقضاء على هذه الظاهرة وآثارها السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع ككل. والجدير بالذكر أن الحل أيضا يكون عن طريق تفعيل دور “وسائل الإعلام” المختلفة لتوضيح موقف الإسلام من الزواج والأسس التي يجب أن تبنى عليها الأسرة والمعايير التي يجب أن يختار على أساسها الشباب شريكة أو شريك الحياة، وكذلك توعية المجتمع بالمخاطر الأخلاقية والاجتماعية المترتبة على انتشار ظاهرتي العنوسة والعزوف عن الزواج من خلال البرامج المتنوعة والملصقات والنشرات والحملات الإعلامية والمواقف المعبرة والهادفة.. إلى جانب عقد محاضرات وندوات. دون أن ننسى دور المدارس والجامعات ومهمتها في تربية النشء على تحمل المسؤولية ونشر ثقافة الزواج المبكر وإحياء الأخلاق والقِيَم الإسلامية في المجتمع، وإشغال الشباب بالمفيد والرياضة والعمل التطوعي، وكذلك تحويل نظرتهم السلبية للحياة الزوجية والاجتماعية إلى نظرة إيجابية، وكذلك دور الدعاة وخطباء المساجد والجمعيات الإسلامية المؤثر في بث الوازع الديني ونشر تعاليم الشرع حول تسهيل الزواج وتخفيف المهور وتبيان الآثار السلبية لتأخير الزواج والتحذير من الفواحش، وكذلك التوجيه والإرشاد حول قدسية الزواج والعلاقة بين النساء والرجال.

الزواج
صورة تعبيرية

وأيضا لا نغفل عن دور الأسرة ومهمتها في الأساس تيسير الزواج لأبنائها وعدم المغالاة في المهور والتقليل من الطلبات الملقاة على عاتق الشاب وتكاليف الزواج الباهظ، وأيضا تقديم نماذج سلوكية جيدة للأبناء لأساليب التعامل بين الزوجين، تقوم على الثقة والتفاهم والاحترام المتبادل، ذلك أن تقديس الأب للحياة الزوجية سيشعر الابن بقيمة الزواج وأهميته لحياته، وتجنب تعريض الأبناء للمشاكل الأسرية، أو المشادات الكلامية التي تحدث بين الوالدين، وإعلاء قيمة عاطفة الأمومة والأبوة الناتج عن بناء أسرة طبيعية، وبطريقة شرعية.

ويجب على الدولة إتاحة فرص عمل معقولة للشباب، وذلك بمساعدة رجال الأعمال، مع توفير شقق لهم بالتقسيط المريح، كما يمكن إقامة مشاريع صغيرة تساعدهم على تحسين دخولهم وتوفير متطلبات الزواج، وأن تقوم الدولة بإنشاء صندوق اجتماعي يساعد هؤلاء الشباب على تحمل نفقات الزواج .

أيها الشاب، أحب لزوجتك ما تحب لأختك، احترمها فالاحترام أساس كل شيء والاحترام يأتي قبل الحب، ساندها لأنها هي أيضاً ستساندك في محنتك، اسمع منها لا عنها فهي تترك بيت أبيها الذي قضت فيه نصف عمرها كي تكمل معك بقية عمرها، فكن حنونا معها وعليها وساندها وساعدها لأن هذا سيكبر الحب والمودة بينكما.
ويا أيها الأب، ابنتك أمانة، فيسِّرْ زواجها، وخير الصداق أيسره، ويشترط في المهر أن يكون ذا قيم، بغض النظرِ عن القلة والكثرة.
وللحديث بقية..

عزوف الشباب عن الزواج إلى متى

شيماء القوري الجبلي

طالبة علوم إعلام وتواصل ، مدونة في مدونة آفاق وايضا في مدونة وكالة انباء تركيا وكاتبة صحفية مع مجلة انسان واكتب في موقع مقال ومعاني .

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *