“البراح”.. موروث ثقافي مغربي

عن تقليدٍ راسخ يصعب التخلي عنه

“البَرّاح” أو المُنادِي؛ اسم يدلّ على المهنة، مشتق مِن كلمة “برح”، أي أعلن وأذاع، فنحن إذن نعني بهذه التسمية: الشخص المُذيع للأخبار والمعلِن عنها شفهيا وبصوتٍ مرتفع في الأماكن العمومية كالأسواق وأمام المساجد.

لقد شكّل البرّاح إحدى أعرق “وسائط التواصل الاجتماعي” بالمغرب، وأداة مهمة لتمرير وتبليغ الأوامر وكل ما يَستجدُّ من أخبار ووقائع في المدن والقرى، فضلا عن إعلام الناس وإطلاعهم على أحدث القوانين والتعليمات الصادرة عن المسؤولين وصناع القرار، وتوعيتهم وتحسيسهم بأمور تصب في منحى ضمان سلامتهم الخاصة أو تخص الشأن العام للدولة.

ففي ظل غياب وسائط التواصل الحديثة بالمغرب آنذاك، كان البرّاح يشكل السبيل الوحيد للتواصل والإعلام، بشكل شَفهي مباشِر، من الفم إلى الأذن.
ويشكل الإنسان عصب هاته المهنة الشاقة، فهو مضطر لقطع مسافات طويلة، مشيا على أرجله أو ممتطياً لدابّة، ليجوب الأزقة والشوارع والدواوير، محاولا الاحتفاظ على الطبقة الصوتية نفسِها، مرددًا عبارة “الحاضر يعلم الغايب“، حرصا منه على إطلاع الجميع دون استثناء بالخبر المُستجَد.

عُرفت فترة الانتخابات بالمغرب بتزايد وظيفة “التّبْراح” واعتماده كوسيلة أساسية لإقناع الرأي العام بالتصويت على مرشَّح دون آخر (علاوة على وسائل أخرى كتعليق العلم الوطني…).
رغم كون البراح، كما سَلف الذكر، وسيطًا من وسائط التواصل التقليدية، إلا أننا لا نزال نشهد حضوره، وإن كان باهتاً، حتى في وقتنا الراهن، خصوصاً في القرى والأحياء الشعبية، فرغم تقلّص وظائفه بشكل ملحوظ، إلا أنه لا يزال يشكل السبيل الوحيد لاسترجاع حقيبة مال ضاعت من صاحبها في أحد الأسواق الشعبية، أو لإيجاد طفل ضاع من والدته في سوق مزدَحِم…

وخلال فترة جائحة كورونا والظروف التي فرضتها ببلادنا، تزايدت وظيفة هذا الوسيط التقليدي، الذي مَكّنَ المثقف والأُمّيَ، الصغير والكبير والحضري والقروي من الوعي بخطورة الوضع وبضرورة الالتزام بالتدابير الوقائية اللّازمة.

ومن الجدير بالذكر أن مهمة البرّاح اليوم قد أخذت في التلاشي شيئا فشيئً أمام منافسة منصات التواصل الاجتماعي، التي كسبت متابعيها انطلاقاً من سرعة وسلاسة الولوج للمعلومة أو الخبر، فضلا عن نقل الأحداث بالصوت والصورة وتمكين المتلقي من المشاركة فيها…

لقد شكّل ظهور منصات التواصل الإجتماعي خلال القرن الواحد والعشرين حدثاً فاصلا في تاريخ وسائط التواصل ليس بالمغرب فقط بل في العالم بأسره، انكبَّ عليها الجميع ليُراقِبوا كل ما يستجد من قضايا وأحداث تهمُّهم؛ إلّا أن البراح لم يرفع بَعدُ رايته البيضاء، بعد ما غَدا من مكونات الموروث الثقافي الشعبي الذي يصعب التخلي عنه.

“البراح”.. موروث ثقافي مغربي

لبنى مازيغ

طالبة صحفية بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *