الميسوجينية وعداوة المرأة للمرأة

حالة نفسية مرضية

الميسوجينية أو misogyny هي كلمة إنجليزية تعود أصولها إلى اليونانية وتعني “كراهية المرأة” وازدراؤها لدواعٍ جنسية بحتة.

وكراهية المرأة هي ظاهرة اجتماعية قديمة قدم العنصر البشري، تميزت بأشكال مختلفة وبأسباب مختلفة باختلاف النظام الفكري والايديولوجي الذي صاحب المجتمعات الذكورية منذ آلاف السنين.

وبالرجوع إلى الوراء، تعتبر الميسوجينية فكرة تقليدية في الثقافة والأدب اليوناني، فقد استخدم المصطلح في كتاب “مدينة سقراط” الذي ازدرى فيه مؤلفه المرأة بشتى الأشكال ليقوم لاحقا بالتطرق إلى أهمية الزواج في مفارقة عجيبة تطرح العديد من علامات الاستفهام.

كما كتب “سيسيرو” مسرحية تحمل عنوان “مازوجونس” أي “كاره النساء” وأهداها “لماركوس اتيليوس” الشاعر الذي اعترف بدوره أن فلاسفة الإغريق لطالما أسرّوا بأن سبب كراهية النساء هو خوفهم من المرأة فحسب!
وقد شاع هذا المصطلح لاحقا بسبب ذات المسرحية التي مُثلت في انجلترا سنة 1962 ليدخل المصطلح بذلك قاموس أكسفورد رسميا.

وقد اشترك العديد من الأدباء والفلاسفة في كره المرأة واحتقارها على غرار “نيتشه”، “هيغل” ،”ارسطو”، “سقراط” و “شبنهاور”… غير أن الأدب اليوناني اتجه بشكل خاص في القرن الثاني إلى الاتفاق على أن كراهية المرأة هو مرض نفسي ومعادي للمجتمع الذي تعتبر فيه المرأة المكون الأساسي للأسرة، ويعتبر “بطليموس” أهم المتطرقين الى هذا الموضوع.

وتعتبر كراهية النساء أقدم عنصرية في ميثولوجيا العالم القديم، إذ يعتبر “هيسيود” أن العرق البشري الذكوري وُجد قبل خلق المرأة، وكان تواجدا مسالما هادئا إلى أن قرر “بوميثوس” أن يسرق سر النار من الآلهة فغضب زيوس وقرر معاقبة الإنسانية بأمر قد يؤنسهم ظاهرا لكنه شر في النهاية، فجيء ب”باندورا” وهي أول امرأة عُوقبت بها الإنسانية حسب الأسطورة الإغريقية.

و”حواء” هي النسخة اليهودية من “باندورا” اليونانية، وخلافا لكل الديانات المعاصرة، تتنصل اليهودية من أي فكرة توحي بقدسية المرأة ومكانتها، فبالرجوع إلى الوضع القانوني والاجتماعي للمرأة اليهودية نجد أن المرأة اليهودية لا يمكنها طلب الطلاق من الرجل عكسه، وتبقى قاصرا طيلة حياتها، لا ترث زوجها ولا أباها إلا إذا لم يكن هناك وارث ذكر!
كما أنها تخاطب زوجها ب “بال” أو “السيد” كما قد تناديه ب “أدون” أو “الرب” فتخاطبه بذلك كالعبد الذي يخاطب سيده.
والأدهى من ذلك فإنها في الوصايا العشر تدرج ضمن ممتلكات الزوج!

misogynie
الميسوجينية.. صعبة في التهجئة، سهلة في التطبيق

أما في الثقافة المسيحية فقد كتبت عالمة النفس “مارغريت رينك” في كتاب “الرجال المسيحيون الذين يكرهون النساء” أن ثقافة المجتمع المسيحي في الكثير من الأحيان تسمح بسوء استخدام المبدأ التوراتي للخضوع بطريقة كارهة للنساء، كما أن الباحث الكاثوليكي “كريستوفر ويست” يقول أن الهيمنة الذكورية تتعدى على خطة الله وهي نتيجة للخطيئة، و هو ما يؤكد وأد حقوق المرأة لدى المسيحيين رغم أن الديانة المسيحية قد حثت على المساواة بين الرجل و المرأة اذ جاء في سِفْر الرسالة الآية 3:28 “ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر ولا أنثى، لأنكم جميعا واحد في يسوع المسيح”.

أما الإسلام، فلا يختلف اثنان أنه قد جاء ليحمي حقوق المرأة ويرفع عنها الظلم بأن جعلها شقيقة الرجل في جميع الأحكام الشرعية، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم “النساء شقائق الرجال” بل وأوصى بهن خيرا فقال:”استوصوا بالنساء خيرا”، غير أن المجتمعات العربية على وجه الخصوص لا تعتني بأمر الله ووصية خاتم انبياءه ذلك أن سلطة المجتمع لا تزال ذكورية بحتة تحاكي تلك التي استعرضناها بخصوص الاغريق.


ورغم أن الميسوجينية شائعة بين الرجال إلا أنها موجودة لدى النساء وتمارس على يد بعضهن البعض للأسف! الأم ضد ابنتها، الحماة ضد كنتها والمسيرة ضد مستخدمتها….
أجل، فما من أحد يؤذي المرأة كما تفعله المرأة، ولا أذى أشد وأقوى من أذية المرأة لبنات جنسها.
فالمؤسف أن جل ما يُتلفظ به ضد النساء يصدر من نساء مثلهن!
“البنت تجيب العار والمعيار والعدو لباب الدار “،
“البنت والخادم رأيهم عادم”،
“هم البنات للممات “
هي أمثال شعبية تطلق في الدول العربية من مشرقها إلى مغربها تؤكد على أن المرأة مخلوق ناقص، ضعيف، بل ومصدر للشرور والآثام، فقد تجلب العار والمشاكل وكلام الناس فقط لأنها جنسها مؤنث.

والغريب في الأمر أن بطلة هذا التمييز هي في أغلب الأحيان الأم نفسها التى مورست ضدها كل هاته الموروثات والعادات في طفولتها فتربي الذكر على أنه رجل وأن الرجل لا يعيبه شيء في حين تربي الفتاة على أن مكانها هو بيتها وأن سقف أحلامها لا يمكن له أن يتجاوز فكرة ضرورة الظفر بزوج والظفر منه بولد وإلا أصبحت ناقصة تلاحقها الأعين وتطالها الألسن أينما حلت ومهما بلغت من شأن.

والعجيب أن المتلفظة به قد عانت من الميسوجينية بطريقة أو بأخرى لكنها لا تجد ضيرا أن تنعت من لم توفق في الزواج بالمطلقة والفاشلة ومن لم توفق للزواج بالعانس المسكينة، لا بل وقد تدفع بابنتها إلى زواج فاشل فقط لأجل تكميم أفواه المجتمع.

الميسوجينية
مظاهرة بإحدى الدول العربية حول نبذ الميسوجينية

كما يمارس الرجل ميسوجينيته ضد كل ما قد تعنيه له المرأة سواء كانت ابنة، أختا، أو حتى زوجة!
وقد يتعدى الأمر في أغلب الأحيان احتقارها والتنزيل من شأنها إلى التمييز بين البنت وبين الولد فقط بسبب الجنس فيقال:
“دلع بنتك بتعرك ودلع ابنك بيعزك”، وقد يصل الأمر إلى التحريض فيقال “البنت يا تسترها يا تقبرها” أو إلى ازدرائها فيقال “يا مشاور النسوان يا خسران”، أو حتى الرغبة في التخلص منها فيقال” عقربتين في الحيط ولا بنتين في البيت”… وغيرها من الموروثات الشعبية الميسوجينية التي تنظر للمرأة على أنها كائن أقل من الرجل ولا تملك ما يؤهلها لأن يكون لها أي دور وكيان مساو له.

ومن خلال ما تم ذكره من أمثال شعبية، يمكن القول أن المرأة سواء كانت طفلة بريئة أو فتاة بالغة راشدة أو حتى أما و زوجة، فهي في جميع حالاتها مرتبطة بالمهانة والدونية، وهو الأمر الذي استطاع الغرب تجاوزه في حين لا يزال العربي يتغنى برجولته وينظر إلى المرأة نظرة نقص وجلب للعيب والعار.. فتكمم أفواه كل من تحاول المطالبة فقط في الحياة بإنسانية.

الميسوجينية وعداوة المرأة للمرأة

سلمى بن دعاس

استاذة لغة فرنسية. مهتمة بالادب.. بالترجمة و الكتابة الفلسفية كتبت رواية تحمل عنوان (عندما نشتهي..نشتري).

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *