عطر أيقظ ذاكرتي

متيمة بعطر

من ينكر قوة العطر جاهل

لقد أيقظ العطر ذكرى غابرة في ثنايا القلب والعقل…
بمجرد أن استنشقت ذلك العطر وأنا أنزل من سيارة الأجرة ارتعشت كل أطرافي، هو عطره تماما…
أدرت وجهي بين المحيطين بي وأنا أتساءل، أي منهم يضع ذلك العطر؟
هل أصحاب اليمين أم أصحاب الشمال؟ قوة الرائحة بدأت تختفي رويدا رويدا، وأنا مازلت أبحث عن مصدرها بين هذا وذاك، لفت انتباهي رجل في أواخر الثلاثينات، وعندما ركضت نحوه ازدادت قوة العطر، مشيت بجانبه وأنا أستنشق تلك الرائحة التي أيقظت كل الحواس الأخرى، رائحة أسكرتني أخذتني ورمتني في عالم آخر، بين الفينة والأخرى أغمض عيناي، فتغزوني الذكريات حتى تلك التي نسيتها، مجرد عطر أيقظ ذاكرتي من سباتها….

ولأن الرجل انتبه لخطواتي، حاولت التراجع قليلا، لكنني ظللت ألاحقه، لم أرد أن أكف عن استنشاق ذلك العطر، لقد كان إدمانا من نوع آخر..
دخل الرجل إلى المقهى ولم أتردد أبدا في الدخول وراءه وجلست في الطاولة القريبة منه، علني أشبع أنفي من عطره الخارق الرائع…
طلبت كأس ماء فقط، رغم عشقي للقهوة، لم أطلبها خوفا من رائحتها…
مع كل رشفة ماء، أسترجع ذكرياتي الكثيرة والجميلة، وأتساءل كيف لمجرد عطر أن ينعش ذاكرتي وقلبي؟ أن يوقظ ذكريات دفنتها لأكثر من سنتين..

عطر-أيقظ-ذاكرتي-1
صورة تعبيرية

بين الفينة والأخرى أغمض عيناي، فتغزوني الذكريات حتى تلك التي نسيتها، مجرد عطر أيقظ ذاكرتي من سباتها….
غرقت في هواجسي، بينما كانت رائحة العطر تزداد وتقوى أكثر فأكثر، لكن قوة الرائحة لم تكن طبيعية، وعندما فتحت عيناي تفاجأت بالرجل أمامي يبتسم …
هل يمكنني الجلوس؟
طلب مني الجلوس، لقد كان أكثر لباقة مني أنا التي لم أستأذنه قبل ملاحقته….
وجلس
هل كنت تتبعينني أم هُيئ إلي ليس إلا؟
كيف سيصدق بأنني كنت ألاحق عطره لا هو، بأنني أجلس في المقهى بدون تخطيط بسبب عطر…
هل أجازف وأخبره بجنوني، بأن عطره أيقظ ذاكرتي، بأن مجرد عطر أحيا ذكريات قديمة وشبه ميتة؟
ذكرياتي مع رجل كنت أتنفس عطره، وقضيت شهورا، انا أحاول نسيانه ليهزمني ذكرى عطره…
حتى أنني كثيرا ما تساءلت أيهما أحببت أولا هل الرجل أم العطر؟
وفي لحظة جنون، قررت أن أجازف وأكون صادقة وأخبره أنني امرأة متيمة بعطر، قرأت يوما أننا لنشفى من أغنية علينا سمعها ولنشفى من مكان علينا زيارته مرارا وتكرارا، ولنشفى من عطر علينا وضعه ولو كان رجاليا، لا مشكلة لأخبره إذن عن هذياني وأسأله عن نوع العطر لأضعه طالما من الممكن أن أشفى من داء العطر…
قلت:
“أغرمت يوما بعطر رجل، ومن الغريب أنه مرت سنتان ولأول مرة أشم رائحته في شخص هو أنت، هل يمكنني أن أعرف اسمه؟
ابتسم، وأدخل يده اليمنى في الجيب الأيسر من سترته وأخرج قنينة صغيرة، مدها إلي قائلا:
” هادو دوك لي كيتباعو بدرهم عند مول الحانوت، واعرة ريحتهم الصراحة”
مسكتها وسط صدمتي وأنا أنظر إليها بتمعن وأتساءل؟
” كيف لعطر لا يتجاوز ثمنه درهم واحد أن يجعلني أمشي كل هذه المسافة، درهم واحد أيقظ ذكريات السنوات، هل كنت عاشقة للحد الذي أغرم بعطر يساوي درهما واحدا؟
نعم العشق يحدث العجائب…
شكرت الشاب وحملت نفسي وغادرت، لكن الغريب أنني شفيت تماما بعد تلك الحادثة…

عطر أيقظ ذاكرتي

حسنية يقضان

حسنية يقضان مدونة وباحثة في القانون الدستوري وعلم السياسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *