تدوينة متصدرة

ملاحظات على هامش نتائج الانتخابات – 1

البيجيدي والهزيمة المدوّية

يبدو من الوهلة الأولى أن جل التكهنات والقراءات التي قدمها الشارع السياسي المغربي باتت خاطئة أو بعيد عما أفرزته نتائج الانتخابات، وأبرزها هزيمة البيجيدي التي لم تكن متوقعة عند الخصوم والحلفاء وداخل البيت الداخلي الذي باغثه الأمر ليتحوّل الحدث إلى عزاء.

ليلة الإعلان عن النتائج كانت حاسمة، ولو أن بعض المؤشرات كان تصل من هنا وهناك، دليل على أن شيء ما يُطبخ خلف الكواليس والبداية مع رفض السلطات تسليم المحاضر ومع السماح لأصحاب النفود بتوزيع المال والوعود وفعل المستحيل ابتغاء مرضاة الحزب المتربع على عرش المشهد الآن مقابل إسقاط الغريم التقليدي.

البيجيدي خسر الرهان من قيادة الحكومة إلى حصيلة هزيلة؛ 13 مقعداً في البرلمان وهو ما لم يكن متوقعاً، بل وكان مستبعد جدا.

وسنحاول تفكيك هذه النتيجة خطوة بخطوة ويمكن تقسيم أسباب هذا التراجع إلى ثلاثة أسباب تعود إلى الحزب نفسه والدولة والناخب.

أسامة باجي

أولاً : الحزب نفسُه

عَرف حزب العدالة والتنمية هزات داخلية صهبة ساهمت في خلق نقاش داخلي صعب إلا أنه حاول أن يبقى صامدا على الرغم من كل ما عرفه انطلاقا من أول مأزق عاشه الحزب بعد ما سمي بالبلوكاج وسماه أعضاء الحزب بالانقلاب على الشرعية والتي أظهرت تياران داخل الحزب واحد يدعو الى الدفاع على بن كيران وبقاءه على رأس الحكومة وكذا التمديد لولاية ثالثة على رأس الحزب وآخر سار في الاتجاه المعاكس وهو ما خلف مشاكل داخل الحزب لتحل بعدها صراعات أخرى وهزات أخرى كان آخرها “الحركة التصحيحية” التي يقودها شباب الحزب وصراعهم مع القيادات والدعوة إلى عقد مؤتمر استثنائي وافراز قيادة جديدة قادرة على استيعاب المرحلة الحساسة وأخيرا التوقيع التطبيع مع الاحتلال الصهيوني الذي زاد من التوتر داخل الحزب، هذا المشكل الداخلي والصراع انعكس على صورته خارجيا وساهم في تراجع خطابه الذي وصف عند الرأي العام السياسي بـ”المزدوج”.

ثانياً : الدولة

لا يختلف اثنان حول تدخل الدولة في الانتخابات وتسخير جهات معينة للضغط على سير العملية الانتخابية وإذا عدنا قليلا الى الانتخابات السابقة والتي اكتسح فيها البيجيدي المشهد السياسي كان الخصم الصعب حينها خو الاصالة والمعاصرة والذي استعمل أساليب الشيوخ والأعيان وسخرت له الداخلية بعضا من رجالها للضغط على صناديق الاقتراع الأمر الذي مكنه من الحصول على المرتبة الثانية بعد البيجيدي بالرغم من كل إمكانياته المسخرة حينها وكل الوسائل التي وفرت له وكذا المال المستعمل والبلطجة في بعض الأحيان وهو ما لا ينكره بعض قادة البام الآن بدعوى أن تلك مرحلة قد خلت.

علاقة الدولة بالبام ليست بالسهلة والبسيطة بل معادلة صعبة ومعقّدة كانت معالمها واضحة منذ 2011 في الولاية الأولى لحزب العدالة والتنمية الذي كن الامل والمنقذ “وهو المشهد الذي تكرر الآن مع صعود الأحرار”، وعلى امتداد ولايتين حاول البام بكل ما ذكرناه سابقا ان يتقوى في المدن والقرى وغيرها بالوسائل التي أتيحت له سلفا إلا أن خاتمته كانت شيء آخر وهو الآن الى حد ما يشق طريقا غير ما كان عليه في السابق إلا أن الطريقة نفسها تعاد مرة أخرى.

يقول كارل ماركسالتاريخ يعيد نفسه مرتين؛ مرة على شكل مأساة ومرة على شكل مهزلة”؛ وهو ما يمكن إسقاطه على تصدر الاحرار لنتائج الانتخابات، نفس الصيغة ونفس الوسائل الكلاسيكية جعلت من الأحرار الأمل والمنقذ الوحيد في “أعين الدولة وبعض الناخبين” والبديل عن البيجيدي إلا أن قواعد اللعبة تغيرت الآن واستفاد الأحرار من دعم الدولة للبام واستفاد من البيجيدي بعد 2011 وتعلم الدرس من “زواج السياسة بالسلطة” وهو ما ينتج أبناء غير شرعيين إلا أن كان ذكيا فأسّسَ لعلاقة غير شرعية أطرافها المال والسياسة والسلطة.

ثالثاً : الناخب

وهو الحلقة الأضعف هنا ولكنه إلى حد معقول كان فاعلًا داخل اللعبة الانتخابية بالرغم من عدد المشاركين في العملية الانتخابية والذي يبقى مجرد رقم يصعب تصديقه في كل الأحوال إلا أن عاملين هنا داخل هاته الحلقة كانا سببا رئيسيا فيما آلت إليه الأوضاع، أولا التصويت العقابي والغضب الحاصل من حكومة العثماني “والتي لا يتحمل البيجيدي مسؤولية فشلها وحده”، هذا الغضب ازداد مع تزايد القرارات الغير شعبية في حق المواطنين وكذا التراجع السياسي والحقوقي الذي عرفه البلد فضلا عن الملاحقات الإعلامية التي طالت وتطال بعض القيادات والهجوم على بعضها مما زاد في تمرير سمعة البيجيدي في الوحل.

الناخب الذي صوت عقابيا هو ذاته الناخب الذي كان يأمل في وقت سابق ويرى قي البيجيدي خيرا لتبقى كتلة أخرى ناخبة قارة وهي أعضاء ومناضلي كل حزب وفئاته التي استقطبها للتصويت عليه وراهن عليها في الحصول على عدد من الأصوات، وبشكل عام فهزيمة البيجيدي “الذي كان يمني النفس بالبقاء في الحكومة” انطلاقا من صناديق الاقتراع كان لها الأثر إلا أنه لا يمكن تسميته رفض شعبي كما لا يمكن أن نسمي صعوده في 2016 بالإرادة الشعبية بالنظر لعدد الناخبين وكذا القاعدة التي كان يتوفر عليها والتي فقد نصفها الآن.

الطريقة التي خرج بها العدالة والتنمية اليوم والتي لا يمكن إلا أن نصفها بـ”المهينة وغير المسبوقة”، أتوقع أن تكون نفسها الطريقة التي سيخرج بها الحزب الذي يراهن أن يكون الآن بديلا وتجربة جديدة يمكن الرهان عليها في ظل الثابت الذي لا يريد أن ينافسه أحد والذي قد يدعمك الى حد كبير لكنه لك يقبل برهان قد يجعل المتحول في رهان معه ولهذا فإن ما وقع في مرات سابقة مع أحزاب عديدة خرجت خاوية الوفاض وقع اليوم مع البيجيدي وسيقع في ظل محافظة الثابت على مكانته وما يريد.

راهن حزب العدالة والتنمية في 2011 على خطاب “إسقاط الفساد“؛ وكان الربيع الديمقراطي فاعلا مهما في صعوده باعتباره التجربة الوحيدة التي لم يجربها المغاربة وبعدها رفع شعار “صوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح” والآن حاول الرهان على بعض الشعارات التي أعاد ترديدها فقط وهو يتحل المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع وفيما اعتبره جزء من الغاربة خلاصا من البيجيدي في الوقت الذي كان يرفع فيه شعار “مكاين غا البيجيدي” وهو في حقيقة الأمر درس يجب استيعابه والأكثر من ذلك يجب على البيجيدي اليوم إعادة شريط تسييره منذ صعوده وليس الوقت للشماتة وتقديم الدروس إلا أن العزاء كان أكثر من التوقعات المحتملة.

سقوط البيجيدي وهو السقوط غير المسبوق، ربّما، يعيد البيجيدي إلى نقطة الصفر حيث بدأ أول مرة وقد بدأت بوادر هذا التصدع برسالة بن كيران أمينه العام السابق وكذا استقالة الأمانة العامة للحزب وعلى رأسها العثماني؛ إلّا أنه في تقديري تنتظره أشواط عديدة ليقطعها أولها اعترافه بالهزيمة على الرغم من اختلاف أسبباها وخلق نقاش داخل الحزب لمحاولة لم الشمل وكذا وإعادة البناء والابتعاد عن المبررات التي يقدمها ولو أنها صحيحة الى حد كبير، كاستعمال الأموال وعدم تسلم المحاضر وكذا ما يمكن ان نسمه بالعقاب الذي أحدثته الصناديق، إلا انه من الضروري جدا التنويه بالخطوة الشجاعة التي أقدمت عليها الأمانة العامة للحزب وهي اعتراف صريح وربط للمسؤولية بالمحاسبة وهذا معهود على عدد كبير من قيادات الحزب، هذا الاعتراف قد يعطي لأعضاء الحزب والقواعد الصغرى الأمل في الاستمرار شريطة لم الشمل والقطع مع الماضي والسير نحو التدافع من داخل المعارضة واعادة ترميم ما تم هدمه خصوصا في فترة سعد الدين العثماني، وهذا قد يجعل من حزب العدالة والتنمية ينبعث من رمادة “كطائر الفينيق” ليخلق المفاجأة.

يُتبع …

ملاحظات على هامش نتائج الانتخابات – 1

أسامة باجي

أسامة باجي صحفي مهتم بالشأن السياسي والثقافي باحث في الإعلام والتواصل مدون وكاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *