رحلة البحث عن الذات

متى نكون أحرارا حقا؟

بعد سنتين بالضبط أستطيع الإقرار أخيرا أنني وجدت نفسي واكتشفت ما يميز هويتي كفرد بين أفراد هذا المجتمع. أخيرا أنهيت رحلة البحث عن أسس أهدافي ودوافع اهتماماتي، إذ كان الأمر شبيها برحلة البحث عن مؤشرات لحل لغز الكنز المعقد وشبه المستحيل، خاصة بعدما ظننت أنني لن أفلح في الهروب من هذه الدوامة كلما طالت المدة أكثر فأكثر.

كأي فرد طبيعي في سن العشرين، ذاك السن الفاصل بين مرحلة الطفولة الساذجة ومرحلة الشباب الصاخب، أتساءل كل دقيقة عن كيفية الانتقال والقفز من الاعتماد والتقليد إلى الإستقلال والتميز، لتصبح بذلك أيضا كل المفاهيم المكتسبة سابقا موضع شك مادام قلبي يأبى التسليم بكل ما يعارض منطقه أو لا يوافق مصلحته وغايته، إذ منذ ولادتنا نستقبل آلاف المفاهيم والعادات ونبني شخصياتنا على أساسها، وانطلاقا مما يحيط بنا دون التفكير فيما يناسب ذاك الجزء الفطري بداخلنا والبعيد عن جميع هذه التأثيرات، إلى أن يحين وقت التمرد، كما هو الشأن الآن، وأرفض فكرة العيش في بيئة متماثلة ومكررة على مر السنين، حيث أمقت أن تكون حياتي مشابهة لحياة أحدهم أو أشاركه نفس الشريط والاهتمامات

لأسقط في آخر الأمر وسط دوامة كل هذه التساؤلات والأفكار و الناتجة -غالبا- عن إيماني القوي بأن هذه النعم لم تخلق لتستغل بنفس الطريقة، وأن آلاف الأجيال لم تتناوب على هذه الأرض لتعيش بنفس الطريقة وتكتفي بأهداف محددة. بذلك إذن نستنتج أن لكل فرد الحق في البحث وتحديد هدفه الأسمى وتخطيط طريقة استغلال سنوات حياته.

هذا ما دفعني لبدء رحلة البحث عن ذاتي وعن الأجوبة الشافية لأي تساؤل غير مبالية بآراء وتعليقات الآخرين، أو بالأحرى المحبطين والفاشلين الذين اكتفوا بقمع رغبتهم وتساؤلاتهم ونسخ حياتهم ولصقها بينهم. لا أعلم، أَهَاجس الخوف والمغامرة منعهم، أم أن فكرة الاختلاف تبدو غير منطقية تماما. فلقد كنت ولازلت أنعت بالحمقاء الغبية لكوني فقط كرست سنتين من عمري لأحدد أهدافي، لكنهم غفلوا عن الصخب الذي ستحدثه سنواتي القادمة ونسوا أن هذه الحمقاء نفسها التي يسألونها عن  السر خلف الراحة والنجاح والضحكات التى تملأ أيامها، ثم ينتظرون منها تحليلا وتبريرا مقنعا لملل ورتابة أعمالهم وأيامهم.

رحلة-البحث-عن-الذات
صورة تعبيرية

سألني أحدهم يوما عن الحياة المثالية، فكانت إجابتي: “الحياة المثالية لا تكمن في الراحة والهدوء بل في الفشل والآلام؛ المثابرة والأحلام هم المثالية بحد ذاتها”.
ففي هذه المدة شربت أيامي على مهل، وفي عالم السرعة هذا تمهلت، جربت كل ما ظهر أمامي، غامرت وراهنت بكل ما أملك ففشلت حينا وتعثرت لأعود لنقطة البداية مرات كثيرة، لكنني لم أستسلم، ذاك الشغف والعطش لاكتشاف ما يميزني حقا ومعرفة الهدف من بقائي في هذه الحياة دفعاني لأستمر في طريق نهايته غير واضحة، كما أن استيقاظي كل يوم مستعدة لمغامرة جديدة وآلام ودروس أخرى أهون علي من الاستيقاظ في عالم يكسوه الأبيض والأسود ويكتفي بالتقليد والتكرار ومتابعة التفاهات وفضائح الآخرين.

فشل كثير، آلام لا تحصى وعثرات لا تنتهي تجتمع صدفة واحدة، وبعدما صفعتني وصقلتني ووضعت بحوزتي الحكم والدروس اللازمة لأعيش بحكمة وثبات وشغف وحب، فدلتني على طريق النجاح المتوافق ومميزاتي، مما يمنحني كل يوم هدفا أحيا لأجله ويضيف معنى لحياتي ولحظات أيامي.
اكتشفت أخيرا نفسي ورغباتها، وفهمت مميزاتي ودورها في ترك بصمتي الخاصة في هذا العالم، كما ضمنت لذاتي حياة متجددة تحمل في طياتها كل المعاني لأجيب أخيرا عن سؤال “ما الهدف من بقائي في هذا العالم؟”.

رحلة البحث عن الذات

وئام حمادي

طالبة هندسة ومدونة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *