فخ المقارنة في الإنترنت

الهوس الإنستغرامي

المشهد الأول : وهم المؤثرون في إنستغرام
الأب يتأمل ابنه الشاب الصغير ويلاحظ تغييرا كبيرا على نفسيته؛ نفس التغيير بدأ مند مدة ليست باليسيرة بحيث لم يعد يستمتع بالحياة وهو الذي كان مقبلا عليها بشغف، ولم يعد شغوفا بهواياته وأصبح شاردا ودائم التفكير وسريع الانفعال.

الأب يكاد يكون من الطبقة المتوسطة لكنه عمل ويعمل كل ما بوسعه ليحظى ابنه بحياة كريمة، وسخر كل جهده ولا يزال من أجل تلبية المطالب الحياتية والترفيهية وسبل العيش الكريم لعائلته الصغيرة في حدود المستطاع ولو دفع به الأمر للاقتراض. كل هذا يهون حين يرى ابنه سعيدا، لكن الأخير أصبح يعاني من نوع من الاكتئاب بسقوطه في فخ المقارنات بعد مدة من فتحه حساب على موقع “إنستغرام”.

فخ المقارنات نفسه يسقط فيه العديد من مرتادي المنصة، بحيث يبدؤون بمقارنة عدد الإعجابات القليلة التي تحصل عليها صورهم مع الإعجابات التي تحصدها صور المشاهير، و مقارنة نمط عيشهم مع نمط عيش من يتابعونهم من بعض المشاهير ممن اختاروا لنفسهم صفة “مؤثرين” لمجرد وصول متابعيهم إلى الآلاف، وتتولد لديهم أفكار من قبيل أنه يجب السير على منوالهم وعلى نمط عيشهم المثالي، أو بتعبير أدق نمط العيش الدي يبدو من بعيد مثاليا، وأن معيار العيش الكريم يجب أن لا يخرج عن المعيار الدي يضعه أولئك المؤثرون في فيديوهاتهم و”سطوريَّاتهم”، أي أن على المرء أن يكون في عطلة دائمة ويسافر حول العالم دائما ويمكث في أفخم الفنادق المصنفة وأن يتناول وجباته في أرقى المطاعم حتى يكون لحياته طعم ولون.

فخ-المقارنة-في-الإنترنت
صورة تعبيرية

إن كلمة “مؤثر” أعمق من أن يتم اختزالها مثلا لا حصرا، في الاقتداء بمن يرتدي ملابس من أغلى العلامات التجارية، أو من يجني الأموال وهو يقضي حياته في السفر، فمن بين ما يجهله من يقارنون أنفسهم بمؤثري إنستغرام هو أن ذلك الفندق الفاخر الذي نزل فيه ذلك المؤثر الإنستغرامي في سفره لم يكن سوى لأجل الإشهار -نظرا لعدد متابعيه المقدر بالآلاف- مقابل الاستفادة من خدماته مجانا، كما أن حياتهم ليس مثالية كما يبدو فهم يقومون بتصوير لحظاتهم السعيدة فقط، بمعنى أن الحياة المثالية في إنستغرام هي حياة لحظية إنستغرامية لا غير، كما أنه من غير المنطقي أن يجعل المرء مصدر هرمون الدوبامين الوحيد لديه هو مجرد الحصول على معدل “جادوغ” مرتفع لصورة قام بنشرها.

بلا شك، فالمؤثر الأجدر بالإقتداء والتأثير في متابعيه هو من بدأ بناء حياته من الصفر وعانى للوصول إلى ماهو عليه الأن، أو من يقدم محتوى بناء قادر على تغيير سلوك الناس وعقليتهم إلى الأفضل وما أكثرهم في مواقع التواصل الإجتماعي اليوم.

المشهد الثاني : كل تافه مرغوب
فجأة قرر إيقاف المحتوى الذي يصنعه على منصة “يوتيوب“، بدأ يشعر بعدم جدواه بالرغم من أنه يحب صناعة المحتوى والإلقاء الصوتي ويبرع في المونتاج الذي بذل جهدا ووقتا كبيرا لتعلم مهاراته، لأن فيديوهاته التي ينشرها بقناته التي أسسها من أجل إثراء المحتوى المفيد لا تحظى بالتفاعل الذي يلبي انتظاراته، بالكاد يحصل على مشاهدات وإعجابات وتعاليق مشجعة معدودة على رؤوس الأصابع، في حين يلاحظ في نفس المنصة فيديوهات لا قيمة لها مبنية على محتوى فارغ إلا من تفاهة، تصل بعضها لرقم المليون موزعة بين مشاهدة وإعجاب وتعليق، بل يحصل أصحابها على مبالغ ضخمة شهريا بسبب تلك الفيديوهات.

لقد أصبح “يوتيوب” في المغرب عبارة عن تجسيد حرفي لعبارة كل ممنوع مرغوب، كون الفيديوهات الفارغة محتواها والتافهة مضمونها هي الأكثر انتشارا والأكثر تحقيقا للأرقام الفلكية، ويعزى ذلك لجملة من الأسباب من أهمها العناوين المثيرة التي تجذب الزوار وتحرك الجانب الفضولي منهم لمشاهدة تلك الفيديوهات المتراوح محتواها بين روتين يومي غير هادف ومقالب تمثيلية بين الأزواج وتحديات مفتعلة، فكلما ازدادت نسبة مشاهدة تلك العينة من الفيديوهات زاد معها تعطش صناعها لعمل المزيد منها بأي طريقة وفي أي وقت ولو على حساب الجانب الأخلاقي للبقاء في “الطوندونس” بسبب هوس “البوز” والشهرة المترتبة عليه.

فخ-المقارنة-في-الإنترنت2
صورة تعبيرية

المشهد الثالث : الجمال النسبي في مواجهة المثالية الافتراضية
وقفت في المرآة وبدأت تحاول التعديل على شكل وجهها بدون مناسبة كما بدأت تفعل في كل أوقاتها مؤخرا، بدأت مند فترة قصيرة تتحاشى الذهاب للمناسبات العائلية أو الخروج رفقة صديقاتها، فبالرغم من كونها معروفة بين أقرانها ووسطها العائلي منذ طفولتها بجمالها الرائع والطبيعي، فقد فقدت ثقتها بنفسها مند أن بدأت تتولد لها فكرة أن الجمال أصبح له معيار وحيد هو المعيار الإنستغرامي، وبدأت تلاحظ في جسمها ووجهها عدة عيوب رغم أن معارفها يؤكدون لها أن تلك العيوب لا تراها سوى هي.

ما لا تعلمه صديقتنا، هو أن جل الصور المثالية للفتيات التي تصادفها في جدارها الإنستغرامي قبل أن يتم نشرها تمر عبر مختبرات الفوتوشوب والفلاتر وتطبيقات التعديل على الصور حتى تصبح بتلك المثالية المفرطة والخالية من العيوب، في ما يشبه الجراحة التجميلية لكن بطريقة افتراضية خادعة وغير منطقية، بحيث يؤثر ذلك في الفتيات اللواتي يقارن ما لديهن بما لدى من يتابعن من مؤثرات يجعلن أقصى أمانيهن أن يصبحو مثلهن، بالرغم أن الجمال من المفترض أن يكون شيئا نسبيا.


فيديو تحت عنوان: الانستغرام مقابل الحياة الحقيقة

إذا ما اعتبرنا وسائل التواصل الاجتماعي سيف ذو حدين، فإن المقارنة هي الجانب السلبي منها بحيث تصرف النظر عن الغرض الأصلي لهذه الوسائل ومنافعها الكثيرة اليوم في عالم يتميز بالسرعة والتغير اليومي، فلديك الاختيار إما ان تجعلها في صفك أو تجعلها ضدك وذلك بالخروج من جلباب المتأثِر وإرتداء جلباب المؤثِّر الذي يضع بصمته الإيجابية من أجل عالم إفتراضي إيجابي.

فخ المقارنة في الإنترنت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *