اكتئاب ما بعد الولادة

عن التقلبات النفسية التي تصاحب الام بعد الولادة

هناك الكثير من الأشياء التي تقبع خلف الستار، متخفية تحت حجة العيب والتابو.. لكن لا يعقل أن نستمر بتجاهلها كمجتمع، لأنها تعني الكثير وتؤثر بشكل مباشر على تربية جيل المستقبل.. وحتى يتسنى لنا تجاوز طرق التربية التقليدية المليئة بالأخطاء وجب التطرق لها..
كل ما سأكتبه بالأسطر الموالية هي أشياء تعني النساء، والأمهات خاصة، لكن الرجال والآباء أيضا معنيون بكل تفصيل صغير يخص الموضوع..
اكتئاب ما بعد الولادة، موضوع قلما سمعت عنه، وكلما بحثت عنه وجدت أن نتائج البحث جد سطحية، و لا يمكنها بأي شكل من الأشكال أن تصف تضارب مشاعر وأحاسيس وأفكار سيدة مرت من تجربة حمل وولادة وتعيش الاحساس بالأمومة للمرة الأولى أو العاشرة (لايهم).

ما يؤلم حقا، هو أنه ثمة نساء لا يؤمنون بهذا المرض، و ينكرونه بشكل قطعي، وقد تسمع بين فينة وأخرى ” حنا ولدنا 10 وماوقعلينا والو” “انتوما جيل مفشش”..
كيف يتم تبخيس تلك المعجزة التي تخرج روحا وجسدا وحياة من جسد آخر؟
كيف تم اعتبارها شيئا عاديا لا يحق لأي كان اعتباره شيئا عظيما وصعبا للغاية!
باقتضاب شديد، يمكنني أن أصف هذا الاكتئاب بالسواد الذي يخيم على حياة المرأة، مهما كانت تعي جيدا الفترة التي تمر منها ومدى دقتها، إلا أنها لن تستطيع تجاوز مشاعر الحزن، والتعب، والتقلبات المزاجية، والاحساس بالوحدة، وعدم تقبل المسؤولية الجديدة التي ألقيت على عاتقها، وببعض الحالات تهرب الزوج من المسؤولية ( وبعض العادات الغبية التي يقوم بها بمجتمعنا) مما يزيد الطين بلة، إذ إنه بالوقت الذي تكون فيه المرأة بأشد الحاجة لزوجها، هناك من يغير مكان نومه حتى يتسنى له النوم بشكل مريح بعيدا عن ضجيج الرضيع الجديد (و كأن تربيته و الاعتناء به مسؤوليتها فقط!) وهناك من يتهم زوجته أنها أهملته وأهملت نفسها ( كأنها جهاز يعمل ببطارية لا تنفذ أبدا!) وهناك عادات مجتمعية قد يمارسها الجميع أثناء العقيقة كأسئلة لا معنى لها و ملاحظات تُلقى يمينا وشمالا.. أشياء قد تجعل من تلك السيدة كائنا قابلا للانهيار..

لن أستطيع تفسير المرض بشكل علمي حتما، لكنني أستطيع أن أجزم بأن تقلب الهرمونات خلال فترة ما بعد الولادة قد يحول امرأة عاقلة سوية تتمتع بصحة نفسية جيدة إلى مجنونة بحساسية الأطفال وعجز الشيوخ، بل وأفضع من هذا كله..
خطورة الأمر لا تكمن هنا، فإن كانت هذه المرأة مدركة للوضع الذي تعيشه واستطاعت أن تتجاوزه بذكاء، لن تكون العواقب وخيمة.. هذه الأخيرة لن تصبح كذلك إلا إذا غرقت بمشاعرها السلبية وانصهرت معها، وطالت مدة المرض، ولم ينتبه لها محيطها، واذا اتهموها ب “الفشوش” و لم يأخذوا تصرفاتها و ما يصدر عنها بالجدية اللازمة، حينها فقط سيصبح الأمر خطرا على الأم وعلى طفلها، و قد يطول الأمر، وقد تصدر تصرفات عنها كأن تؤذي طفلها بالضرب أو الصراخ وأشياء أخرى لا أحد يحاول تفسيرها بشكل منطقي حتى يتسنى له معالجة المشكل من أصله.

هذه التصرفات السلبية تؤثر على الرضيع أو الطفل بكل الطرق الممكنة، ابتداءا من صلة الوصل التي تربطه بأمه ألا وهو الحليب الذي يأخذه مباشرة منها والذي يصبح مسموما إن كانت هي بمزاج سيئ وبقلب معاناة لا يعلم أحد عنها أي شيء..
رجاءا، اهتموا بالمرأة التي تمر من تجربة ولادة حديثة، توقفو عن إعطاء رأيكم في كل شيء.. توقفوا عن ممارسة هواياتكم من سخرية و نفاق.. قدموا الهدايا لها بدل جلب هدايا للرضيع فقط.. باقة ورد ستكون كافية جدا! لا تحشروا أنفسكم بطرق التربية الصحيحة وما يجوز وما لا يجوز وكأنكم حريصون على مصلحة طفلها أكثر منها.. هذه أمور قد تبدوا لكم عادية جدا، لكنها تساهم بشكل مباشر في تغير الحالة النفسية التي قد تسوء فيما بعد نتيجة الجهل والاهمال والتجاهل وعدم الاكتراث واللامبالاة وجميع مرادفات عدم احترام خصوصية المرحلة وتبخيسها.

اكتئاب ما بعد الولادة

سارة صالح

مدونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *