الشوق

عن ذكريات أمة هوت من عرش القمم

الشوق والاشتياق وافتقاد ما كان عزيزا على القلب وسيطرة الذكرى، مرة كانت أم حلوة، مشاعر تهيج على فؤاد الشخص فيسبح في ملكوتها وتأسره بكل مفاتنها، فتراه إما غارقا في أحلام اليقظة أو مستسلما لها في الرقاد لما تغشاه.

لعل كل، بل أغلب من ذكر له الشوق والذكرى استحضر مشاعر وقصص الحب والمودة المشهورة عبر الزمان، وله الحق كامل الحق في ذلك إذ أن الحب والشوق خليلان نادرا ما يفترقان، فترى المحبين إن افترقا تهيج بهم الذكرى ويعذبهم الشوق ويغوص بهم في حلو الماضي ويتركهم متألمين بعد أن عاد بهم إلى شواطئ الواقع المر.

دعنا من صحائف قصص الماضي و هلم معي عزيزي القاري إلى حاضرنا ، فترى فعل الشوق والذكرى الشنعين بنا، بل سوء تصويبنا لهم لخدمتنا؛ إننا بحق أكثر أمة منذ سقوطها من قمة الأمم الرائدة جل ما اكتفت به مراودة الاشتياق والسكرة بخمرته فأعجبها مفعوله وصارت شديدة الإدمان عليه، وكلما اعترتها نكسة وما أكثرها من نكسات، لجأت إليه وإلى الدين وقد صيرته أفيونا للشعوب بفهمها الخاطئ له، وإنني لأقسم بكل غال ونفيس أن جهابذة عصرنا الذهبي وصانعي مجدنا الذي لم يلقوا منا إلا التمجيد المجوف من كل معنی بدل مواصلة رفع هامتهم لنظل خير أمة أخرجت للناس، لو قاموا من مرقدهم ورأونا مما نحن عليه من حال ومازلنا نتشدق بعبارات الفخر والتحسر على ذكرى ماض رحل لتنكروا لنا أو شككوا في انتمائنا إلى نفس الأمة.

الشوق-1
الآية 110 من سورة آل عمران

إن من واجبنا جعل الذكرى وقودا محركا ومصدرا للإلهام لا مكب بكاء ومصب دموع، لقد آن الأوان لأن نضع ما مضى وراء ظهورنا ونعد العدة للمستقبل برؤية مستقبلية من كامل زواياها تستند على فهم مغاير للشريعة عن فهم قرون مضت؛ فهم القرن الحادي والعشرين كي نعود للقمم ثانية، ومتى وصلنا يحق لنا عند إذ أن نذكر ليس ماضينا الذهبي بل ما كنا عليه من تخبط (الذي هو حاضرنا الآن) ونفتخر بالأشواط الصعبة التي قطعناها ونواكب مجرى الحياة مؤدين أعظم عبادة ومهمة وهي خلافة الله في الأرض التي برع فيها غير المسلمين في زمننا الحاضر.

إن مجمل القول أن الذكرى طيف يراود كل واحد منا، تختلف المفقودات وما يحن إليه المرء إلا أن الإحساس واحد والحكيم هو من عرف كيف يجعل من شوقه دافعا له وليس مسيطرا عليه يشل حركته ويحبسه في دائرة الجمود والحسرة.

الشوق

عثمان بوضرة

طالب في السنة الأولى بالمدرسة العليا للتكنلوجية.. مهتم بالأدب العربي خصوصا والفلسفة عموما، أجيد الترجمة من وإلى النجليزية وأتقن قليلا من اللغة الألمانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *