“مرارة فراق”.. رسالة إلى ابنتي

فتحت باب حجرتك التي لم أجرأ لمدة طويلة أن ألِجها، حملقت بالمكان الغالي على فؤادي وأنا أرتعش ليس من الخوف بل من شدة الشوق والحنين إليك، بحثت عنك كالحمقاء وراء باب الغرفة تحت السرير معتقدة أنك تلعبين معي الغُمّيْضة فأنا أتذكر كم كنت تمزحين وتتسلين باللعب معي.

ناديتك باسمك الحبيب الغالي، ولم يجبني سوى صدى صوتي المتكرر بين الجدران. عثرت على ملابس نومك فضممتها إلى صدري وأبيت إلا أن أحافظ عليها دون تنظيف كي أشتم فيها رائحتك الطيبة والغالية.

نظرت إلى شهاداتك التقديرية المعلقة فوق حيطان غرفتك فمنحتني القوة والشجاعة، فحدثت نفسي قائلة:” إياك يا نفس أن تحزني وحذاري يا عين أن تذرفي ولو دمعة واحدة، فمن تعتبرينها قد رحلت وتركتك، هي غادرت كي تواصل مسيرتها المستقبلية، فهيا يا نفسي ويا روحي كي نواصل الدعاء والرجاء ، فالباري سبحانه هو من سيرعى من ودعتك وسافرت بعيدا عنك، هو عز وجل من سيأخذ بيدها وسوف يصونها، أو َليس هو من رد موسى إلى والدته؟ أو َليس هو سبحانه من نجى يونس ويوسف وكافة الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه مِن مِحنهم؟

ابنتي الغالية إنني أسرد هذه الجمل وقلبي لا يعلم به سوى الباري سبحانه، ولم لن تشعر بي سوى الأم التي ذاقت وأحست معنى فراق فلذة الكبد، إنني عانيت الفراق مرتين، لكن هذه المرة كان أضعف وأقاسي منه اليوم جدا، لكنني أحمده سبحانه في كل وقت وحين، لأنني متأكدة أنني أنجبت ابنة قوية شجاعة، تتمتع ولله الحمد بنبل أخلاقها وصلاح سلوكها، ابنتي حبيبتي، إن كبدي يتقطع لبعدك وغيابك، لكن دعواتي لك لن تتوقف بل سأضاعفها وسأكثر منها كي يرزقك الرحمان تعالى بمزيد من التوفيق، وكي يحميك من كل مكروه ويهبك بحرا من الصلاح والهداية لما يحبه ويرضاه لك.

رسالة-إلى-ابتني
صورة تعبيرية

ابنتي لؤلؤلتي ابذلي كل ما في جهدك كي تنهي مسارك الدراسي في أقرب الأوقات، فكلما اجتهدت فزت وسهل عليك ما انتقيته كمستقبل، فلا تتهاوني قط يا عزيزتي ولا تبخلي على غدك والذي طالما حلمت به وعزمت على تحقيقه، بكل ما فيك من جهد، سوف يغضبك ما أقوله الآن لك وما أسديه لك من نصح، لأنني على دراية كاملة بمدى اهتمامك بمستقبلك، لكن يا بنيتي الجميلة قَدِّري أمومتي وحنيني لك.

أنا أتمنى لو كان هذا الزمن يجري بسرعة البرق و لو أن هذه المسيرة الدراسية الطويلة تتحقق وتبلغ نهايتها في وقت قصير، حتى أجتمع بك من جديد قبل أن تنطفأ شمعة عمري وأرحل إلى حيث لا عودة. أدعو الرحمان عز وجل أن يعيدك إلي سالمة غانمة وأفرح بك ككافة الأمهات، فأنت وحيدتي وفيك أمي رحمها الله، وأختي التي لم أرزق بها، وأنت كذلك صديقتي ورفيقة دربي والآخذة بيدي وشريكتي في فرحي وحزني.

ابنتي غاليتي نصيحتي المهمة لك هي : تشبثي بصلاتك مهما كثرت عليك الأعمال والدروس، واعلمي كما أنصحك دائما أن صلاتك هي سلاحك الوحيد الذي يصد عنك كل الآفات والأحزان، وهي مفتاح الخير والفلاح الذي لا يرد في وجهك باب الفوز والنجاح والطمأنينة.

ابنتي الكريمة والوحيدة، سوف تقرئين ما دونته وتقولين كل هذا الكلام بديهي ومعروف، لكن كل ما أكتبه هو بالنسبة لي ولكل أم مثلي، هو الدواء الناجع الذي يخفف قليلا آلام البعد والاشتياق اللذين يكويان قلبي والبلسم الذي يضمد بعضا من جراحي.

“مرارة فراق”.. رسالة إلى ابنتي

نادية حجاج

ربة بيت، مدونة مغربية قاطنة بالديار الإسبانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *