ثمة ذكريات لا ترحل

الإنسان بين الماضي والمستقبل

بين ثنايا الماضي نترك الكثير من الذكريات منها المحزن المبكي ومنها الجميل المفرح, وبين هذه الذكرى وتلك، يعيش الإنسان إما مستسلما أو مقاوما.

من المؤسف أن نجد البعض منا قد أرهق تفكيره بالعيش في ماضٍ حزين أو مستقبل مجهول، لا يدري ما القدر فاعل به، وبين كل هذه الأفكار لا حياة. في حين نجده منغلقا على نفسه باتخاذ أسلوب حياة مختلف، محزون القلب، تائه العقل، مدخول الضمير، يائسا، بائسا، منوطا بتوافد الذكريات واحتقان المشاعر المتراكمة على خاطره القنوط من فسحة الأمل.
وبقدر ما نحاول الهرب من ماضينا بقدر ما يسكننا بكل تفاصيله، ليستنزف كل طاقتنا، معطيا لنفسه كل الحق بالتحكم في مسارنا وجعله حكما أبديا.

للماضي ميزة المحتال، يتقن دور الضحية الغبية، يجعلك تعود إليه راكضا متعثرا في أول خُطوة فشل.

قد يأتينا الماضي على شكل أشخاص توقعنا منهم غير ما حصل، تركونا على قارعة الطريق، منفردين، خائبين.
وقد يأتي على هيئة شوارع مدينة تمشيت فيها.
وقد يأتي أيضا على شكل نسمات عطر أحد ما، بل وحتى على شكل أغانٍ، ألحان، آلام وحقد دفين.
أما الذاكرة فما هي إلا مستودع الذكريات تحفظ ما خلفه الماضي الراحل من هموم وخذلان، فقدان وانتظار، وعقاب بالكتمان أي لا تقدر حتى على الإفصاح عما يتآكل بداخلك.

هناك من يتمنى العودة للماضي للاعتذار وهناك من يريد تغيير قرارات اتخذت عنوة وما يسعك إلا التأسف عليها والحسرة.

فصدقني يا صديقي لا يوجد أسوء من التقيد بسلاسل الماضي ولن تنتظرك الحياة لتقف على قدميك وتسترجع شغفك فهي بكل بساطة لا تكترث لحزنك ولن تراعي ضعفك.
كل ما أنصحك به هو أن لا تدع ماضيك يمر مرور الكرام ليعود متى شاء ليجعل حاضرك مغلفا لا يصلح للعيش.

اجلس مع نفسك بضع ساعات وكن حاسما صارما في عزل ما يمكن عزله ودفن ما يمكن دفنه وحرق ما يمكن حرقه، ارم وراءك كل كره بغيض لأناس ما اهتمت لك، لعلاقات ما استمرت، لأيام سوداء انطوت، ووجوه نافقت وبواقعها المخزي اصطدمت.
ارم كل ذكرياتك البائسة الحزينة في قاع المحيط وغادر ناظرا للحياة بالمنظور الذي يسعدك. أتقن فن التغافل والتجاهل وكن واثقا أن ماضيك مجرد درس وليس حكما أبدياً؛ كن مع الله يكون معك.

“ثمة ذكريات لا ترحل تمر السنين
وتبقي عصية علي النسيان
وبين الذكرى والنسيان
يعيش الانسان
إما مستسلماً وإما مقاوما
ما مضى لن يعود
والحياة لا تنتظر أحد”.
انفال الدويسان

ثمة ذكريات لا ترحل

Exit mobile version