بنموسى في برجه العاجي والنيران تحت قدميه

حول جدل المعايير الجديدة لقبول المترشحين لمهنة التعليم

يلا حظ المتابع للشأن السياسي والاجتماعي المغربي حالة من عدم الرضى والتذمر لدى مكونات واسعة من الشعب المغربي، فالمواطن المغربي كان يمني النفس بالانعتاق من الآثار السلبية للتدبير السيء والكارثي في بعض الأحيان للحكومتين السابقتين لمختلف الملفات الاقتصادية والاجتماعية، غير أنه تفاجأ “برجوع حليمة لعادتها القديمة”.

ماذا يحدث؟
عند الحكم على أداء الحكومة الجديدة ينبغي الاستناد على أسس مرجعية علمية وموضوعية، لكن يمكن القول أن الإشارات الأولى التي بعثتها هذه الحكومة بعد أقل من شهرين على تعيينها كانت غير مطمئنة نهائيا، وما يقوي حظوظ هذه الحكومة في الفشل هو ارتباكها في التعامل مع ملفين اجتماعيين يمثلان “قطرتين في بحر من الملفات الساخنة” التي تراكمت طيلة الولايتين السابقتين، حيث تم نهج سياسة “الإطفاء العشوائي للنيران مع إمكانية اندلاعها في أي لحظة”.

شكيب-بنموسى
شكيب بنموسى، وزير الداخلية سابقا، رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، ويشغل منذ 7 أكتوبر 2021 منصب وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة

شكيب بنموسى، وزير التعليم الجديد
إن الباحث عن تفاصيل السيرة الذاتية لشكيب بنموسى يجد أنه يمزج بين التكوينين الفرانكفوني والأنجلوساكسوني، وينتمي لعائلة أرستقراطية، وتقلد مناصب ديبلوماسية ووزارية عدة مما يؤكد أنه راكم تجربة مهمة؛ لكن، هل كل هذه المؤشرات تشفع له بتدبير قطاع ذي حساسية بالغة كقطاع التعليم؟
إن قطاع التعليم من المفترض أن يسند بالأساس إلى كفاءة وطنية عاشت المعاناة التي يعيشها المواطن المغربي العادي في مختلف تجلياتها، وليس لشخصية من النبلاء الذين “يأكلون بملاعق من ذهب ويفترشون الحرير” ويعيشون بمعزل عن المشاكل والتحديات التي تعاني منها الطبقات المسحوقة ببلادنا.

وبالرجوع إلى الشروط المجحفة لولوج مهنة التعليم، يُفهم أن السيد بنموسى وفريق عمله يجهلون العديد من النقاط المهمة في هذا الشأن:
أولا: الكفاءة تحدد بجودة الإجابة في ورقة الامتحان وليس بالمعدل المحصل عليه بطرق غير مشروعة بما فيها “التضخيم” و”النفخ” و”الغش” و”المقايضة”…
ثانيا: جودة المعارف والكفايات يجب تحدد بالاختبار النزيه والعلمي والموضوعي وليس بمعدل السن، فالجميع يعرف وجود كائنات وزارية وأخرى برلمانية عمرت في دائرة صنع القرار لردح من الزمن، حيث أن بعضها لا يتوفر على شهادة علمية دنيا أو متوسطة، دون أن يسألها أحد عن كفاءتها.
ثالثا: يمكن لهذه القرارات العشوائية والارتجالية أن تتسبب أزمة اجتماعية خطيرة، ولنا في أحداث 23 مارس 1965 بالدار البيضاء مثال على ذلك، حيث أن قرارا ارتجاليا من وزير التربية الوطنية آنذاك تسبب في أزمة اجتماعية وسياسية تطلب الأمر سنوات عديدة لتجاوز تداعياتها.

أين رئيس الحكومة؟
يبدوا أن دار لقمان مازالت على حالها، في ظل عشوائية وارتباك لقرارات الحكومة وصمت مطبق لرئيسها، وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلات حول طبيعة عمل الحكومة وإشكالية التنزيل الفعلي لقراراتها.

يحتاج المغاربة لرئيس حكومة ليس قويا بصلاحياته الدستورية الواسعة فقط، بل في البعد الكريزماتي لشخصيته، وهو ما يغيب عن عزيز أخنوش على الأقل في الوقت الراهن، وسكوت رئيس الحكومة يمكن أن يترتب عنه تأجيج للأوضاع، واستغلال هذه الظرفية لبعض الأطراف الداخلية والخارجية والمعروفة بتصيدها للفرص خدمة لأجنداتها المعروفة سلفا.

احتجاجات-حاشدة-لطلبة-فاس-ضد-قرار-بنموسى-1
شرارة الاحتجاجات الحاشدة للطلبة والخريجين ضد قرار بنموسى انطلقت من مدينة فاس

الشباب المغربي واقع مر وأحلام مؤجلة
يعاني الشباب المغربي من مشاكل وتحديات جمة، والسبب في ذلك سياسات عمومية فاشلة تحكمت فيها اعتبارات سياسية ضيقة أزمت الأوضاع بدل تحسينها، حيث تشير الأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط إلى أن نسبة بطالة الشباب بين 15و 42 سنة بلغت 30.8 في المائة، الأمر الذي يستوجب حلا استعجاليا وفعالا لمجابهة هذه المعضلة المجتمعية.
فالشاب المغربي على وجه الخصوص الذي يطمح لتأسيس مشروع حياة مستلقة وتكوين أسرة خاصة به يصطدم بمعيقات من نوع آخر تتمثل في صور مجتمعية نمطية يغلب عليها الطابع المادي والمظهري تفرضها عليه شريكة حياته أو أهلها والمجتمع، وهو ما يضعه أمام مفارقة صعبة متمثلة في واقع مر وأحلام مؤجلة.

ما العمل؟
يشير الفيلسوف و السياسي الأمريكي “فرانسيس فوكوياما” إلى عنصر الثقة و دوره في نهضة الأمم في جميع المجالات، باعتبارها كمحدد حاسم يساعد على تحقيق مجتمع مزدهر اقتصاديا ومحصن ضد المرجعيات والأفكار المتطرفة.

وما يبعث على الخطورة هو ضعف ثقة المواطنين في المسؤولين المغاربة، فالمواطن المغربي لا يثق إلا في المؤسسة الملكية وعند أي حاجة أو مشكل لايوجه نداءه إلا للملك نظرا لدوره الإيجابي والفعال في حل مجموعة من الإشكالات المجتمعية والسياسية، وبالتالي يمكن القول أن المؤسسة الملكية تسير بسرعتين أمام ضعف وتيرة وجودة عمل مؤسسة رئيس الحكومة وباقي المؤسسات الأخرى.

إن غياب الإطار المؤسساتي كوسيلة لإيجاد حلول لمشاكل من شأنها أن تضييع الوقت و الجهد والفرص و الموارد، وأمام سياسة النعامة التي تنهجها النقابات والتي من المفترض أن تمثل صوت الشعب في مواجهة الحكومة أو على الأقل تلعب دور الوسيط في حل هذه الأزمة، تبقى آفاق الحل جد ضعيفة.

بنموسى في برجه العاجي والنيران تحت قدميه

محمد البداوي

باحث في القانون العام و العلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *