حدود العلاقة بين مؤسسة القضاء الدستوري والسلطة التشريعية

‏ مؤسسة القضاء الدستوري و السلطة التشريعية، مؤسستين ‏دستوريتين دأبت أغلب الدساتير الديمقراطية على التنصيص عليها والتأكيد على محورية الأدوار التي تقوم بها كل واحدة منها، فإذا كانت السلطة التشريعية المؤسسة التي يولد فيها النص القانوني (في احترام لمبدأ فصل السلط) باعتبار *القانون* أسمى تعبير عن إرادة الأمة (الفصل 6 من الدستور المغربي)، فإن مؤسسة القضاء الدستوري جهاز يقع خارج حدود فصل السلط (على اعتبار أن الفصل يقوم بين السلط الثلاث ‘التشريعية،التنفيذية،القضائية’ هدفه الأساس مراقبة مدى دستورية القانون، وتأويل الدستور وحمايته من خلال ضبط عمل المشرع، من خلال هذا المحدد تبرز اشكالية أساسية، أين تتحلى حدود العلاقة بين القضاء الدستوري والسلطة التشريعية؟
وعن هذه الاشكالية تتفرع مجموعة من الأسئلة:

من أين تستمد كل سلطة شرعيتها؟
هل اعتبار مؤسسة القضاء الدستوري الهيئة المعنية بالرقابة على السلطات يجعلنا نقول بأنه ليس هنالك ضابط يحد من التسلط على هذه الاخيرة؟
وما هو الضابط الذي يضمن للقاضي الدستوري الشرعية في ممارسة عمله؟

للاجابة عن هذه الأسئلة سنعتمد التصميم التالي:

المبحث الأول: القضاء الدستوري والمؤسسة التشريعية وسؤال الشرعية
المطلب الأول :السلطة التشريعية ومحدد الانتخاب
المطلب الثاني: الاستثناء الوارد على مسألة الانتخاب
المبحث الثاني: حدود العلاقة بين القضاء الدستوري و السلطة التشريعية
المطلب الأول: الوظيفة الرقابية، مدخل لفهم طبيعة العلاقة بين القضاء الدستوري و
المؤسسة التشريعية
المطلب الثاني: الدستورية أم الملائمة

المبحث الأول: القضاء الدستوري والمؤسسة التشريعية وسؤال الشرعية
إن الحديث عن طبيعة العلاقة بين السلطة التشريعية ومؤسسة القضاء الدستوري، تقتضي منا
في البداية أن نجيب عن سؤال من أين تستمد المؤسستين شرعيتهما اصلا؟

المطلب الأول : السلطة التشريعية ومحدد الانتخابات

إن تمثيلية المؤسسات ترتبط في الأساس بمحدد الانتخاب على اعتبار أنه الأساس الذي تقوم عليه الديمقراطية، وكذلك الحال بالنسبة للسلطة التشريعية، هذا الجهاز الذي تختلف تركيبته و هيكلته من نسق سياسي لأخر يستمد شرعيته من الانتخابات، إذ ينتخب أعضائه من طرف الشعب سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حسب خصوصية كل نظام، ولكن محدد الانتخابات ترد عليه بعض الاستثناءات بخصوص بعض المؤسسات، وهذا ما سنحاول التطرق إليه في المطلب الموالي

المطلب الثاني: الاستثناء الوارد على مسألة الانتخاب

إذا كانت السلطة التشريعية تستمد شرعيتها من العملية الانتخابية وكذلك الحال لبعض المؤسسات الأخرى فإننا نطرح سؤالا مفاده، هل الانتخابات هي المحدد الوحيد الذي يعطي الشرعية للمؤسسات؟
كما جاء على لسان الأستاذ محمد اتركين في احدى محاضراته (وحدة القضاء الدستوري) فالجواب على هذا السؤال بالفهم الكلاسيكي للديمقراطية هو نعم، لكن ليست بالضرورة كل المؤسسات الدستورية تستمد شرعيتها من الانتخاب، فمؤسسة كمؤسسة القضاء الدستوري تستمد شرعيتها من الدستور نفسه و بهذا الصدد فالقاضي الدستوري وضع ليضمن سمو وهبة الدستور الذي يعتبر عملا تأسيسيا للأمة يحدد طبيعة النظام وعمل المؤسسات وقواعد اللعب.

إذا كانت المؤسسة التشريعية تستمد شرعيتها من الانتخابات، وكون الديمقراطية من المبادئ التي يقرها الدستور، وعلى اعتبار ان مؤسسة القضاء الدستوري تستند في شرعيتها على الدستور، فمؤدى ذلك ان لكلا المؤسستين تقاطعات و بالتالي فهنالك علاقة قائمة بينهما، هذا ما يجلنا نطرح سؤال كيف يمكننا فهم طبيعة العلاقة بين المؤسستين؟ والحدود الواردة عليها؟
وهذا ما سنحاول التطرق اليه في المبحث الثاني.

لابد في البداية وقبل التطرق للضوابط التي تبرز طبيعة العلاقة بين المؤسستين من ابراز طبيعة الوظائف المنوطة بكل جهاز، فالمؤسسة التشريعية مثلا وظيفتها الأساسية هي سن القوانين، في حين ان مؤسسة القضاء الدستوري يمكن تقسيم الوظائف المنوطة بها إلى قسمين، الوظائف الظاهرة، و الوظائف الضمنية.
فالوظائف الظاهرة هي وظائف منصوص عليها وهي كالآتي : وظيفة تأويل الدستور، وظيفة حماية الدستور، وظيفة مراقبة الدستورية، وظيفة ضبط عمل المشرع وحماية الحقوق والحريات.
أما الوظائف الضمنية فهي نتاج للوظائف الظاهرة وتتمثل في وظيفة السلطة المضادة ووظيفة ضبط حسن سير المؤسسات.
وبالتالي ومن خلال تحديد الوظائف الاساسية المنوطة لكل جهاز يمكننا أن نطرح الاسئلة التالية: ماهو المدخل الذي يمكن من خلاله أن نفهم طبيعة العلاقة بين المؤسستين؟ وماهي الحدود التي يجب أن تبقى قائمة بين المؤسستين؟

المطلب الأول: الوظيفة الرقابية، مدخل لفهم طبيعة العلاقة بين القضاء الدستوري و السلطة التشريعية

تعتبر مراقبة دستورية القوانين الأساس الذي قامت عليه مؤسسة القضاء الدستوري، هذا الاختصاص الجوهري يعد من الوظائف الجوهرية التي يقوم بها القاضي الدستوري، إذ يقوم بالتأكد من مدى مطابقة القانون لنص الدستور، وبالتالي فالقاضي الدستوري يراقب عمل السلطة التشريعية وهذه الاخيرة تحيل القوانين على القضاء الدستوري بعد اتمامها لمسطرة التشريع، هنا نطرح سؤال، إذا كان القاضي الدستوري هو الذي يعمل على مراقبة السلطة التشريعية؟ فمن يراقبه هو؟

إن القاضي الدستوري وباعتبار الوظائف التي يقوم بها من قبيل السهر على ضمان سمو الدستور و اكراه الفاعلين على التقييد بأحكامه ومراقبة كل سلطة على حدة تجعل من الصعب ان يكون له مراقب هو ايضا، ونظرا لهذه الخصوصيات يجب على القاضي الدستوري بداية ان يتحلى بواجب الجحود إزاء الجهة التي عينته، اي أن ينأى بنفسه عنها، وحول مدى إمكانية وجود سلطة مضادة تراقب القاضي الدستوري فإن الفقه الألماني ابتدع مفهوما يسمى بالتقييد الذاتي(محاضرة في وحدة القضاء الدستوري للأستاذ محمد أتركين)، اي ان القاضي الدستوري يجب ان يخلق كوابح وقيود ذاتية انطلاقا من وعيه بطبيعة عمله، فالقاضي الدستوري في غياب سلطة مضادة، في غياب قيود خارجية على عمله يجب
ان يخلق محددات لتقييد ذاته حتى يظل وفيا لوظائفه الاساسية دون ان يعلو بنفسه عنها.

المطلب الثاني: الدستورية أم الملائمة؟

الأساس في الحديث عن مسألة الدستورية و الملائمة هو محاولة التمييز بين من ينشأ القاعدة القانونية، فهذا الاختصاص يعود للسلطة التشريعية، والقاضي الدستوري تعرض عليه قوانين، وإعداد القانون وتقدير اعداد القانون ومضمونه هذا يدخل في إطار ما يسمى بالسلطة التقديرية للمشرع، وهذه المسألة تخرج من مجال مراقبة القاضي الدستوري فالقاضي الدستوري لا يراقب الملائمة بل مهمته الاساسية ان يراقب القانون على ضوء أحكام الدستور.

القاضي الدستوري لا ينشأ القانون ولا يخلق القانون لأنه كما اشرنا واجب السلطة التشريعية، لكنه حين يضع يده على ملف و يتضح له غياب شرط معيار، تبدأ مرحلة تسمى الاجتهاد القضائي وهنا يمكن خلق قاعدة لكن وفق شروط و محددات، لأنه لا يمكن خلق قاعدة من
فراغ.

خاتمة:
إن طبيعة العلاقة بين المؤسسة التشريعية و مؤسسة القضاء الدستوري وان كانت تجعل كفة مؤسسة القضاء الدستوري تميل لصالحها الا ان التطورات التي مر منها الفقه الدستوري جعلته يبدع مفاهيم جديدة تسهم في ضمان استمرارية هذه المؤسسة لضمان شرعية عمل االقاضي الدستوري وضمان حسن سير المؤسسات وفق القواعد المتعارف عليها.

حدود العلاقة بين مؤسسة القضاء الدستوري والسلطة التشريعية

Exit mobile version