أنا وأناي

حلم يقظة

بريق عينيه كان مختلفا، منكسرا، قويا، خجولا، واثقا، مترددا، مصمما…

لوهلة ظننته أنا، أحسست لبرهة أنني أجالس تلك الطفلة المنكسرة، أحسستها تحمل بين ثناياها كلمات مبهمة وغير واضحة، لكن انعكاسها يُرى في بريق عينيه، أقصد عيني أناي، أنين أناي صار مدويا، شعرت بتلك الصرخة تنبعث من داخلي، تحاول الخروج، تحاول الفرار، لكنني أوصدت أبواب البوح بها… كنت في كل لحظة أتأمل في شيء ما محاولة أن أهرب من خضوعي، ظن أناي أنني أود البكاء فكان الظن يقينا، غير أن الأبواب منعتني، أبواب البوح التي أغلقتها منذ زمن وأطفأت جذوتها

كان صوت أناي بعيدا عن مسمعي رغم قربه، فقد لايهم ما قاله أناي إذ لازال الكثير مما لم ينطق، لكنه يرى ويستشعر في غيابات جب العين، قد أستشف حكاية أناي فقط مما ذرفته عيناه من دموع مسجونة، دموع أبت إلا أن تبقى حبيسة جدران الأفكار…

أنا وأناي نحب بؤسنا رغم ما اقترفه من تدمير لمشاعرنا، مغتربون بين أهلينا، لكن البؤس هو المأوى. قد يبدو الأمر سكيزوفرينيا للوهلة الأولى أو أنه كذلك، لكننا لازلنا متيمين بالبؤس الذي وجدنا فيه، إذ لولا البؤس والقرح لما خطت أقلامنا حروفا تروي حيوات طمسها الزمن بذريعة المبالغة والتذمر؛ لا أنكر أن الأمر مؤلم للغاية إذ يجعل الأسود ينتشر أكثر ليسيطر على كل الألوان الأخرى، لكن كتابته وإفشاءه بين السطور الغامضة شيء رائع. أو على الأرجح نستطيع أن نقول ما يخالج صدورنا دون أن نبوح به.

أنا-وأناي
صورة تعبيرية

رأيت تلك الطفلة القابعة في روحي وهي تجالسني، تروي ما حصل بكل عفوية لكنني لا أسمعها؛ أنا غير موجودة في عالم الماديات الآن، لقد رحلت، رحلت لكنني ألتقط بين الفينة والأخرى صوت تلك الطفلة وهو يحاول إيقاظي من غيبوبتي المؤقتة. أركض محاولة الهرب لكن الطفلة خلفي تلازمني في كل أوقاتي، تقول: ” أنا الحقيقة، فلم الهروب؟”.
-من قال أنك الحقيقة؟ أنت شيء غير موجود حتى!!!
لازالت تباغت خطاي: أنا وجودك الحقيقي، أنا الحقيقة الوحيدة الصادقة، امسحي دمائي أولا ثم ابتعدي ما شئت، لمي شتاتي وتشرذم طفولتي“.
– لا لا لا لا لا أنت مجرد صوت حقير يحاول أن يكسر عزيمتي في المواصلة.
– قد أدعك الآن وشأنك، لكنك أنت، أنت فقط من يناديني في كل مرة غير مدركة؛ أنت من يوقظني من سباتي.

كان كل ذلك حلم يقظة، أفقت من وقع أفكاري الجائرة فاحتسيت ما تبقى من القهوة في الكأس، ثم غادرت المطعم لأعود لسطحية أيامي العدمية.

أنا وأناي

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *