شمس العشرينيات

الصؤاعات والتقلبات التي نمر بها خلال العشرينيات

أعلم أنها ستشرق.تلك الشمس التي لطالما ظننت أنها أشرقت ولم تفعل، والتي لطالما ظننت أني تابعت انبلاجها صباحا ووقوبها كل مساء في حياتي دون أي ملل، من حدث لآخر ومن مكان وزمان لآخر ومن شخص لآخر. ظننت حينها أني عشت كل لحظة بتمامها وكل لقطة بتفاصيلها المملة، ومع كل شخص بطرقه المتشعبة وأني تعايشت مع تناقضاتي وأني صدقا أعرفني، قبل عشرينياتي.
الصراحة أني لم أعرفني، ولم أعرف أن شمسي لم تشرق بعد قبلا. فلم تكن كلها إلا تمهيدات واستعدادات لجعلها تستيقظ أو بالأحرى لتشجيعها لتشرق، ومشاهدتها من بعيد والتقاط صورة حقيقية لي معها، بعيدا عن كل وهم.
ترى، ما الذي يعرفه المرء عن شمسه قبل عشرينياته؟ أو إن أردنا إعادة صياغة السؤال بطريقة أخرى، ما الذي يعرفه المرء عن نفسه قبل عشرينياته؟
هل سبق أن طرحت هذا السؤال من قبل؟
هو ليس مجرد سؤال، بل دوامة من التساؤلات عن من أنت ولم أنت و لماذا أنت هنا؟ ما هي نقاط قوتك وضعفك؟ ما غاياتك؟ ما هدفك من الحياة؟ إلام تطمح؟ وماذا حقا تريد وأين تحس نبضك؟ هل من رسالة لك في هذه الحياة؟ وإن كانت فما هي؟ وكيف تنفذها؟ وكأنك تعلم أن لك شيئا في هاته الحياة، ولكن كيف ستقوم به وبماذا قد تبدأ؟
أسبق وأن خضت حديثا كهذا مع نفسك؟ حتى وإن لم تجب عنها كلها، فلا بأس.
وإن كانت اجابتك “نعم”.. ف “نعم”، ستشرق شمسك.
ليس من السهل أن تكون عشرينيا. وكأن الفصول الأربعة تتناوب عليك وحدك. فكأنك تحترق في شمس الصيف اللافحة، ثم تذبل وتتساقط أحلامك كالأوراق لتتحلل وتختفي على اليابسة، بعد ذلك تتجمد وتعيش سنوات من سنوات الشتاء الشاتية، تندب وتبكي وتصرخ وتشكي، وبعد كل ذلك يأتي ما أخبروك به كثيرا عن ربيع العمر، لتزهر من جديد، وتثمر طموحاتك و تنفجر ينابيعك. فلا تجعلك تقتصر على وصف بينما هو العمر أوصاف.
إذ أني قد أصفها أيضا كمعركة تخوض فيها حروبا شتى مع نفسك ومع العالم.
مع نفسك، باستنطاقها لمعرفة تفاصيلها بدقة، والخوض في أعماقها بتفان، والتنقيب عن جوهرها في القاع لاستخراجه، وتحليلك ومناقشتك لكل هذا، في صراع دام داخلي وخارجي، ومع ذلك تخوضه لأنك تعرف أنك حقا تحتاجه، بل الأكثر من ذلك تستحقه أنت، وتستحقه نفسك التي قبعت فيك دوما، ولم تلتفت لها لعدم انتباهك أنها كانت دوما هنا..
ومع العالم، لتغير معايير تقبلك له، فتتمرد، و لا تسمح له بالتسلط أو الحكم عليك إذ صار لك صوت، و صرت ذي بديهة ونضج. أو هكذا تعتقد.
فتولد من جديد بعد مخاض عسير، لتعرف من حقا أنت ولم أنت ولماذا أنت هنا. تعرف نقاط قوتك لتصقلها بشغف ونقاط ضعفك لتتقبلها وتتجاوزها ببطئ، وغاياتك وأهدافك وطموحاتك، وتعمل جاهدا عليها، بعد اكتمال قوتك الجسدية والنفسية، ونضجك العقلي في اتخاذ قراراتك المصيرية ورسم خريطتك باستقامة وإخلاص تجاه من أنت لتباشر رحلة العمر مباشرة بعد إشراق شمسك. لن تكون فيها وحيدا، إذ سترافقك نفسك، لتكون لك صديق العشرين وعصا الثمانين، طيلة العمر.
حقا، فريدة هي العشرينيات، وفريدة تلك الإشراقة الحقيقية الأولى.

شمس العشرينيات

عبير الشارف

طالبة هندسة معمارية و طالبة قانون، كاتبة لخواطر و قصص و مقالات عن العديد من المواضيع في شتى المجالات، عاشقة للقراءة و الكتابة، للرسم و الصباغة و التصوير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *