مقدمة حول هيئة المناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز

عن المساواة بين الرجل والمرأة

يعتبر تأسيس هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز خيارا وطنيا ومسؤولية تتحملها كل مكونات المجتمع المغربي، حكومة وبرلمانا وهيئات وطنية وأحزاب ومجتمع مدني، كل حسب ما تتيحه الأدوار المنوطة به والصلاحيات المخولة له، حيث يجب على الجميع المساهمة في بناء تصور تأسيس هذه الهيئة التي سيخول إليها السهر على احترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للمرأة، من أجل تمكينها من حقوقها الأساسية ودعم إمكانية مشاركتها في مسار تحقیق التنمية وبناء الديمقراطية، وذلك في اتجاه ترسيخ المساواة.

انطلاقا من محدودية الآثار المتعلقة بالمساواة بين المرأة والرجل على مستوى تفعيل النص القانوني، نجد أن مجموعة من المؤسسات التي تتجاوز الحدود الوطنية للدول، كمنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي حثت على تأسيس مؤسسات تعمل على ضمان احترام حقوق الإنسان وتسهر على تفعيل التدابير التفضيلية التي تتيح تصحيح الآثار الواقعية التي يحدثها التمييز، حيث يلاحظ أنه رغم وجود النصوص القانونية والتشريعات لا يزال التمييز ضد المرأة مقبولا وغالبا ما يمرر تحت مبررات مختلفة. وقد نصت منظمة الأمم المتحدة، من خلال اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، على عدم الاكتفاء بضمان الحقوق على مستوى النصوص القانونية فقط، وإنما على الدول الالتزام بتطبيقها الفعلي، حيث تتعهد الدول الأطراف، بعد إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية، بكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ، من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة، والتي قد يعتبر جزءا منها تأسيس مثل هذه المؤسسات.
كما نصت مبادئ باريس المعتمدة سنة 1993 على إنشاء مؤسسات وطنية مستقلة لحماية حقوق الإنسان، واعتبرت أن من شروط تأسيسها أن تكون دستورية ومستقلة لها أدوار استشارية وتركيبتها تضمن تنوع الانتماء الإيديولوجي والفكري وتنوع مجالات التدخل ولها من الإمكانات ما يمكنها من التدبير والتنظيم الجيد. كما يسند إليها العمل على إجراء التعاون والتشاور مع مؤسسات حقوق الإنسان ويمكنها نفي حالات معينة ممارسة أنشطة شبه قضائية. كما نص أيضا إعلان ومنهج عمل بكين المعتمد سنة 1995 على اتخاذ مجموعة من التدابير لإنشاء مؤسسات وطنية تعمل على حماية الحقوق الإنسانية للمرأة، وتتابع اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، فيما يخص توصيات بكين، تفعيل العديد من الإجراءات المتخذة على مستوى التعهد باتخاذ التدابير الخاصة المؤقتة، وخصوصا إنشاء المؤسسات المعنية بمكافحة التمييز ضد المرأة، والتي يجب أن تكون مماثلة لمبادئ باريس، وتضمن احترام مبادئ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مع الحرص على أن تكون عضوية الأعضاء والموظفين تحقق نوع من التوازن بين الجنسين. كما نصت مجموعة من التوجيهات التي أصدرها الاتحاد الأوربي سنوات 2002، 2004 و2006على إحداث هيئات لمكافحة التمييز على أساس الجنس والأصل والعرق…

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى وجود نوع من التنسيق بين هيئات الأمم المتحدة في الموضوع، حيث تعمل منظمة الأمم المتحدة للمرأة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان من أجل الدفع بالهيئات العاملة في مجال تعزيز حقوق المرأة إلى الانسجام مع المقتضيات والمعايير الدولية المنظمة والمؤطرة لتأسيس هذا التنوع من الهيئات دوليا.
تتأسس الهيئات الوطنية لمكافحة التمييز بناء على أساس قانوني واضح يمنحها صلاحيات للنهوض بالمساواة ومكافحة التمييز القائم على أسس معينة تتضمنها التشريعات والقوانين الوطنية. ويستدعي التأسيس المعياري لعمل هذه الهيئات ضرورة وجود إطار قانوني وأرضية تشريعية تضمن حماية المرأة من كافة أشكال التمييز الممارس ضدها وتؤسس لمبدأ المناصفة، حيث تشكل أرضية شاملة وكاملة يتأسس عليها عمل الهيئة على مستويات مختلفة ترتبط بأشكال التمييز ومستوياته، وأيضا بالمجالات الأساسية لممارسته. وتنقسم هذه التشريعات إلى أنواع مختلفة، منها ما يرتبط بالدستور ومنها ما يرتبط بقوانين تخص مجالات معينة كقانون الجنسية وقانون الصحافة وقانون الشغل والقوانين الجنائية والمدنية، وأخرى ومنها قوانين أنشأت خصيصا لمحاربة التمييز والأعمال المحرضة عليه، تأخذ طابعا عاما يتعلق بكافة أشكال التمييز أو طابعا خاصا يرتبط بأشكال معينة من التمييز أو بفئات معينة من ضحايا التمييز، كالنساء والمهاجرين.
يلاحظ ان تسمية هذه الهيئة الواردة في الفصل 19 تختلف عن التسمية التي جاءت في الفصل 164، فنجد في الفصل 19 الحديث عن هيئة المناصفة ومكافحة جميع اشكال التمييز، بينما نجد في الفصل 164 الحديث عن الهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع اشكال التمييز، بينما تبقى عناصر التسمية الرئيسية ثابتة وهما مفهومي المناصفة والتمييز.
اذ يعتبر تبني الدولة للسعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة من المواقف المتقدمة في المنظومة الدستورية، وهو موقف تحكمت فيه وقائع ومعطيات السياق السوسيو سياسي الذي واكب وضع الدستور، دون أن تكون حدود تفعيل المبدأ ومنهجيته واضحة، حيث أن واضع الدستور عندما أسس له كان مدفوعا برهان مواكبة مطالب الفئات الاجتماعية المغربية في أقصى مستوياتها وفي أعلى سقف لها. ويمكن القول، إن مفهوم السعي نحو تحقيق مبدأ المناصفة پستطيع أن يستوعب وأن.يعبر عن كل الجهود التي تبذل من طرف المؤسسات المدنية والحكومية من أجل دعم ولوج النساء إلى مراكز القرار، وهو جامع لمختلف المبادرات والإجراءات المعتمدة، فضلا عن إجراءات التمييز الإيجابي على مستوى ولوج القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كما أنه ينفتح على عدة محاولات للفهم وأخرى للتطبيق والتفعيل ويهدف التأسيس لمفهوم المناصفة بين الجنسين إلى تعزيز تكافؤ الفرص بين الجنسين على أرض الواقع، ما يساهم في إتاحة فرص المشاركة الحقيقية للمرأة في الحياة العامة وفي الترقي للمناصب القيادية التي يتم من خلالها المساهمة في اتخاذ القرارات، كما يركز مفهوم المناصفة بين المرأة والرجل على علاقتهما ممارسة السلطة وتدبير الشأن العام، وينطلق من اعتبار أن جميع المواطنين يجب أن يستطيعوا وبشكل متساو المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي أخذ القرارات المهمة، مما يمكن من نقل آرائهم وتطلعاتهم وإشكالاتهم، وهو ما يساهم في إتاحة فرص المشاركة الحقيقية للمرأة في التأثير على القرارات الموجهة للحياة العامة، والتي تتم من خلالها المساهمة في اتخاذ قرارات مؤثرة في حياتها اليومية. ونجد أن الاتفاقيات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان لا تشير إلى مفهوم المناصفة صراحة، بينما تأتي مضامين ودلالات تعبر عن مفهوم المناصفة بشكل غير مباشر. كما ورد في إعلان ومنهج عمل بكين المعتمد سنة 1995، والذي حث على اتخاذ مجموعة من التدابير التي ترتبط ترجمتها عمليا مفهوم المناصفة اتخاذ التدابير الكفيلة بوصول المرأة على قدم المساواة مع الرجل إلى هياكل السلطة وإلى مراكز صنع القرار والمشاركة الكاملة فيها، وأيضا الالتزام بإعادة التوازن في نسبة الرجال والنساء في الهيئات واللجن الحكومية، وكذا في الإدارات العمومية، وفي القضاء، ولا سيما من خلال وضع أهداف محددة وتطبيق تدابير تروم تحقيق زيادة ملموسة في عدد النساء في المناصب العمومية، بغرض الوصول إلى تمثیل متساو في كل المناصب الحكومية والإدارات العمومية، وعبر اتخاذ تدابير إيجابية إذا تطلب الأمر ذلك”. ويمكن تعريف المناصفة على أنها “الحضور والتمثيل المتساوي للنساء والرجال من حيث العدد في جميع المجالات والمؤسسات، سواء على مستوى القطاع العام أو القطاع الخاص أو السياسي“. وتعتبر المناصفة في رأي معارضيها آلية غير دستورية، من حيث مسها بمبدأ مواطنة المرأة ومبدأ المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص في إطار نظام ديمقراطي، حيث يعتبرون أن المناصفة تحدد الديمقراطية وتفرغ هذه المبادئ من المحتوى الديمقراطي. بينما هناك من يميز بين مستويات تطبيق آليات المناصفة، فيرفض تطبيقها على مستوى النتائج والمخرجات، ويقبل بتطبيقها في مستوى قبلي وذلك في إطار إتاحة وتشجيع تكافؤ الفرص، بينما هناك من يؤيدها بشكل مطلق وتعتبرها نافذة للفرص وإجراء تصحيحا يعيد التوازن للمجتمع على أساس تحقيق الإنصاف والعدل، ويضمن كسر الحلقة المفرغة التي تنتج التفاوت والاختلال الواقعي الذي تكرسه الآليات البنيوية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تهمش وتقصي المرأة.

5-فروق-بين-الرجل-والمراة-في-العلاقة-الجنسية_slideshow_1855_148d061b059-d535-46c7-adae-ddc4436079a0
صورة تعبيرية

أما بالنسبة للتمييز فتشير مجموعة من الاتفاقيات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان إلى مفهوم التمييز ضد المرأة بشكل صريح، حيث تنص المادة الأولى من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على أن مصطلح التمييز ضد المرأة يقصد به «أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس، ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي میدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها. بصرف النظر عن حالتها الزوجية، وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل“. كما تعرف بعض الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التمييز بارتكازها على الآثار، حيث يشمل حظر التمييز التدابير غير التمييزية والمحايدة في الظاهر، ولكنها تمييزية على مستوى النتائج والآثار التي تحدثها.
تعتبر هيئة المناصفة ومحاربة جميع اشكال التمييز الية من الاليات الدستورية الكفيلة بمنح المرأة مكانتها اللائقة على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويلاحظ ان تسمية هده الهيئة الواردة في الفصل 19 تختلف عن التسمية التي جاءت في الفصل 164 فنجد في الفصل 19 الحديث عن هيئة المناصفة ومكافحة كل اشكال التمييز وفي الفصل 164 الحديث عن الهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع اشكال التمييز بينما تبقى عناصر التسمية الرئيسية ثابتة; المناصفة والتمييز. ويمكن تعريف التمييز على انه; معاملة غير متساوية وغير موازية إزاء الشخص او مجموعة من الأشخاص على أساس معايير غير مشروعة ويمكن ان ترتبط هده المعايير بخصائص متأصلة في الشخص الجنس العرق اللون السن وغيرها او خصائص مكتسبة كاللغة، الدين، الوضع الاسري، الانتماء النقابي وغيرها. ويمكن ان يمارس التمييز من قبل اشخاص طبيعيين او معنويين او من طرف أعوان الدولة او مؤسسات القطاع العام والخاص.
تشكل المناصفة التي تقدم على انها الاعتراف بالمساواة المبنية اجتماعيا أساس السياسات الرامية الى مكافحة اشكال التمييز بين الرجل و المرأة ويمكن تعريف المناصفة على انها التمثيل المتساوي للنساء والرجال على المستوى الكمي في جميع المجالات وفي الولوج الى هيئات صنع القرار في القطاع العمومي والمهني والسياسي ويتجلى سبب وجودها في ضرورة اللجوء الى تدابير قانونية وتنظيمية ومؤسساتية ملتزمة لمواجهة هذا التمييز وبالفعل فان التدابير التفضيلية الإيجابية والارادية التي تنحو نحو تصحيح اتار التمييز الذي حدث بالماضي والحاضر والدي تكون المرأة ضحيته المفترضة وبمعنى اخر يمكن القول بأن المناصفة هي بمثابة الية للإعمال الفعلي للمساواة الرسمية التي بدونها ستبقى مجردة..

مقدمة حول هيئة المناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز

فاطمة الزهراء مديون

باحثة في العلوم السياسية و التواصل السياسي و القانون العام

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *