الميمز كأداة ثقافية

شكل جديد من أنواع التعبير

مع تطور التكنولوجيا بدأ ظهور الميمز بشكل مهول في مواقع التواصل الاجتماعي. لكن ما المقصود بالميمز كمفهوم وما هو أصله التاريخي؟ وما مدى تأثيره في المجتمع وعلى البنية الثقافية للمجتمع؟

بادئ ذي بدء سنحاول أن نفهم أصل كلمة ميمز وما معناها. فالميمز هو مصطلح يستخدم لوصف شعار أو فكرة تنتشر بسرعة من شخص إلى آخر من خلال الانترنت، ويستند المصطلح إلى مفهوم الميمة على الرغم من أن هذا المفهوم يشير إلى فئة أوسع بكثير من المعلومات الثقافية. ونظرا لسرعة انتشاره في الوسط التكنولوجي فقد لعب دورا كبيرا في التأثير على البنية الثقافية للمجتمع.

أما بخصوص أصل المصطلح فيرجع إلى عالم الأحياء ريتشارد دوكنز والذي وظفه من أجل استعماله في وصف الجينات بحيث أن هاته الأخيرة تحمل أيضا أفكارا وتنشرها أينما حلت وارتحلت (mème= gène) ومن هنا بدأت الحمولة الرمزية للميمز وتوظيفها بشكل كبير مع دخول الانترنت كأول مرة في التسعينات وبعد ذلك انتشرت في العالم العربي كشكل من أشكال التعبير والسخرية.

الميمز
أحد أشهر أنواع الميمز الذائعة الصيت

الميمز في البداية بدأت كشكل تعبيري عبر الصورة والكتابة عليها لتمرير مجموعة من الأفكار سواء سياسية / اقتصادية/ اجتماعية أو ثقافية. ويمكن أن تشكل شكلا من أشكال المقاومة نظرا لعدم توفر الشروط الذاتية لهذه الأخيرة كما أنها تعتبر نمطا سخريا في عدة مجالات.

لكن الخطير في الأمر هو أن هذه السخرية أصبحت هي الشكل التعبيري الوحيد وأصبح الكل يسخر ولا يفعل شيئا عدا السخرية، بل الأكثر من هذا أنها أضحت مشروعا حيث أصبح العديد من الأفراد ينشئ صفحة أو قناة خاصة يالميمز ويسخر من أصحاب التيك توك وغيره؛ وبالتالي أصبحت مورد رزق للعديد من الناشطين في الميديا.

والخطير في الأمر في الميمز هو أنها أصبحت تشكل وعيا جمعيا للعديد من الشباب ومصدرا فكريا لهم. فمثلا عوض البحث في قضية تاريخية أو ظاهرة معينة مبنية على أساس علمي ومنطقي عبر قراءة كتب أو مقالات أو مشاهدة وثائقي أو فيلم لبناء أفكار حول الموضوع، يلجأ العديد للميمز نظرا لأنها مختصرة جدا وأنها تحمل مزحة خفيفة للترفيه، بغض النظر عن مدى صحتها أو خطئها. فالمستهلك لا يبحث في المصادر إلا من رحم ربك، بالإضافة لعدم المبالاة بالعديد من القضايا التي تمس الإنسان بشكل مباشر. هذه اللامبالاة التي أصبحنا نراها تنتشر كثيرا في أوساط الشباب في السنين الأخيرة حيث أصبحت فنا يفتخر به الكثيرون وجزء كبير منها راجع لثقافة الميمز.

وبالتالي فلقد أصبحنا أمام مجتمع عبارة عن قطيع في نمط ثقافي واحد مبني على الفراغ والتفاهة. لقد أصبحنا نصادف أشخاصا يناقشون مواضيع متشعبة ومتشبكة تفوق حدود معارفهم البسيطة بثقافة الميمز عوض القراءة والبحث والتحليل والتفكير النقدي. لقد أصبح ذلك غريبا في ظل هذا الانحطاط الفكري، وأصبح من يفكر يحلل وينتقد ويناقش قضايا الواقع والمشاكل الاجتماعية إنسانا دراميا.

الميمز كأداة ثقافية

حمزة شافي

طالب باحث في علم الاجتماع ومدون

تعليق واحد

  1. أعجبني اختيارك لهذا الموضوع ، موضوع كان يحتاج لمن يسيل الحبر ويغوص في خفاياه التي قد لا تظهر لرواد شبكات التواصل الاجتماعي ، بوركت لاختيارك للموضوع. لكن ألا ترى أن الميمز وسيلة للتفويج على النفس والهروب من مأساوية الواقع قليلا؟ ألا ترى أننا نهرب من الواقع ونلتجأ للميمز لكي لا تنطفأ تلك الجذوة في نفوسنا ، ونواصل مشوار الحياة؟ قد أكون قارئة ، باحثة ، كاتبة ، ملمة بالعلم ومع ذلك أستعمل الميمز. في رأيي الشخصي لا شية في تداول الميمز بين الناس فليس إلا وسيلة لرسم الابتسامة . ثم إننا لسنا مبرمجين على الصلابة دائما ، إذ النفس تهوى الابتعاد قليلا عن الروتين.
    تقبل مروري ، وشكرا مرة أخرى لاختيارك للموضوع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *