رسائل إلى “لا أحد”

لنبدأ بالسلام هذه المرة أيضا، فحيثما حل السلام زارتنا الطمأنينة، ولاشيء نحتاجه الٱن أكثر من أن نطمئن.
تبدو فكرة الكتابة لشخص نبعده عن ذاكرتنا طوال اليوم متعبة، كفكرة اللقاء بعد غياب اتفقنا ان لا نتطاول على أسواره، وأنا على غير عادتي أخون الوعود.
كم مرة يجب أن نُصفع بذات اليد التي ضمتنا طويلاً، حتى نستفيق ؟
حتى نصبح ناضجين بما يكفي، حتى لا نبكي على أشياء نعرفها سيئة بالفطرة، وحتى نتوقف عن المشي في طرق ندرك نهايتها بحدس الكبار.
أفكر كثيرا بقلبك البعيد، بالمسافات الهائلة بيننا، بين ما نريده وما يحصل، وما يجب أن يكون.
هل يحل العناق المشكلة؟ عناق وحيد ربما.
لا ذنب لقلبينا بكل ما تكيده لنا الحياة! لا ذنب لشخص لا يعرف كيف يكتم صوت الحب في قلبه، في عالم عاقل!

ولكنني في ازدحام الأيام، وفي غمرة الحزن والشوق والأسى..أصلي.
أصلي لله أن لا تموت الكلمات بيننا، وإن كنا سنصل للنهاية، فلنبدأ من جديد، سأخفي فضولي الذي يجرني للنهاية، وأكتفي بحلو البداية هذه المرة فقط.
أصلي، لكي لا تموت فينا أصدق مشاعرنا وأن لا نفقد القدرة على قول ما نفكر به، وما نريده دون الخوف مما قد يحدث في اللحظة التالية.
وحين أترك العالم كله بعيدا، من أجل لحظة سكون يتيمة، أتمنى لو أنني أفعل الشيء ذاته معك، كأن ننسى ما عجزنا عن تجاوزه، ونجلس معا، كقلبين، لا كشخصين عاقلين، ونتحدث طويلاً.

هذه المساءات الهادئة على غير عادتها، صاخبة، صوت الخريف يتجاوز كل شيء مرورا لقلبي، وتفاصيلك الصغيرة التي أعلقها في كل خطواتي هنا..

أنا أفقد كل شيء.

هو الخريف دائماً يبدأ من الأوراق التي علقت بعناية على جدار أرواحنا.
تخيل، كم من الجنون يجب أن يمتلكه شخص مثلي حتى يفتح نوافذه للخريف ويشاهد ببرود، كيف تغادر كل الأشياء العالقة به من مجرد فصل كئيب؟.
“لو يعلم الذين نراهن على بقائهم، كم مرة يقفزون في ذاكرتنا فنبتسم لطيفهم، ما غادروا أبداً”.
ولكننا حكم علينا أن نكون أنانيين في حكايات الٱخرين.. أن نخون، وأن نكون سيئين بطريقة ما دون أن ندري.

أفكر بقلبك البعيد، في جدوى الكتابة لشخص لا أعرف كيف أرجعه غريبا، ولا كيف أجعله قريبا.. في عدوى المسافات ولعنة التعلق.. لعنة ذاكرتي التي لا تنسى التفاصيل، حتى المؤذية منها.

أفكر ما إذا كانت تتعبك التفاصيل مثلي، أم أنك ككل الذين يمشون في دروب الحياة بذاكرة الأسماك.. ينسون كل شيء بضغطة زر!
في النهاية، لا شيء يملكه شخص مثلي، سوى أن يفكر ويربط الخيوط مع بعضها، كل يوم من جديد، برغم يقينه أنها لا تؤدي لشيء.

وفاء لغزاونة

طالبة هندسة و مدونة

تعليق واحد

  1. أقرأ لك باستمرار صديقتي، أعجبني كيف طورت أسلوبك في الكتابة، أقصد اللغة تحديدا. شكرا على هذه الرسالة الشاعرية المليئة بالحب والجياشة باللغة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *