من زاوية أخرى

من زاوية أخرى

أرى الشمس ذابلة وامرأة ترتدي عباءة بسواد بؤسها. تمسك بيد طفل شاحب اللون، متسخ الملابس، يحمل بيده اليمنى جذع شجرة، يعيقه عن المشي بسرعة. تنهره كلما عبّر لها عن رغبته الملحّة في اشتراء لعبة على شكل قطار.

لمحها عند بائع لا يريد سوى أن يغادر هذه المدينة الكئيبة كسكانها. يبحث عن قوت يومه رغم كبر سنه ونحافة جسمه، همّه الوحيد بعد بيع منتجاته البسيطة هو استرجاع صحتّه التي كانت تمكّنه من حرث أرض أبيه دون الإحساس بالعياء ولا الحاجة إلى آلة.

عجوزا ترتكن لجدار مؤسسة بنكية تتسول الذل. تخلّى عنها ابنها الوحيد بعدما توفى أبيه وتزوج بأمريكية في سنها أو أقل. عاطلا ينفث عار الوطن مع دخان لفافة، يُفكّر جاهدا في كيفية الحصول على ذلك المبلغ الزهيد ليلتحق بصديقه ويضحى موظفا بكل عصامية.

الفقر
الفقر

فتاة يشبه وجهها إلى حد كبير قوس قزح، تتمايل هنا وهناك بحثا عن عريس “غفلة”، ينتشلها من هذه الحفرة وينسيها مرارة الفقر، لتتفاخر على صديقاتها مُعتبرة الزواج إنجازا عظيما.

موظفا بدل أن يؤدي مهنته على أكمل وجه، يلتقط صورا كثيرة لربطة عنقه. أشجارا شاخت بدون سابق إنذار، كانت في زمن ما تمنح الظل للعابرين. من ألقت بهم أمواج القدر إلى هذه المدينة المهمشة.

لافتات تتوسطها شعارات لأشباه إطارات نضالية، قبضت ثمن صمتها منذ زمن بعيد، لكنها لم تكف طبعاً عن إعطاء تصريحات صحفية من حين لآخر.

شابا في عمر الزهور يجمعنا الشغف نفسه، يحكي بحرقة عن خيبة أمله في مولودته الأولى؛ لم يتبناها أحد بهذه البساطة فابتلعت شواطئ الأقدار حلمه وصفع الإحباط وجه تفاؤله، ليبدو من شحوبه أنه حتما سيركب قطار الكآبة.
إلا أن الله وحده يعلم في أي محطة ستنتهي به الرحلة !

من زاوية أخرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *