إيدا، آدا، عايدة، إيدا

أو تشويه الحكاية

دخلت فتاة ذات جمال مذهل قدَّمها صديقي “م” تحت اسم إيدا. كان سيذكر اسمي عندما أشاحت بوجهها وانخرطت مع صديقتها في نقاش غاب عني موضوعه، كانتا تضحكان وتهتفان. تحت نظرة “م” المتهلهلة والمعجبة، وأمام مظهر هذه السعادة الصاخبة، زاد إحساسي بالضياع لأنني لم أكن أفهم شيئا مما تقولان، لقد كانتا تتحدثان بالإنجليزية، ورغم أنني على دراية بهذه اللغة إلا أنني لم أفهم ولا كلمة واحدة.

لم تفارقني ذكرى إيدا لأيام، هل سأتعرف عليها لو تلاقت طريقنا؟ لم أكن أتذكر بوضوح قسماتها. أحيانا يبدو لي أنني ألمحها في الشارع أو على النافذة. أهي حقا إيدا في النافذة؟
أثناء زيارتي ل “م” في الجامعة رأيتها ثانية، أبصرني هو من بعيد فلوح لي. نحوت إليهما سعيدا بهذا اللقاء. لكن ما إن اقتربت حتى أشاحت إيدا وجهها وكأنها تبحث عن شخص ما، ثم اعتذرت ل “م” واختفت بسرعة.
كانت بعد ذلك لحظة من الصمت المحرج. كان ينبغي علي الانصراف، أو بدقة أكبر الانسحاب. صافحت “م” وخرجت من الجامعة حتى أتمكن من التدخين، وسرعان ما دلفت الشوارع التي تحاذي الحرم الجامعي.

مر أسبوع وعدت مرة أخرى للجامعة، كنت بحاجة إلى بعض الكتب من “م”، وافق أن يعيرها لي بشرط أن أعيدها في الوقت الذي اتفقنا عليه. وأنا أدخل الجامعة أبصرت في الممر “م” وإيدا التي ما إن رأتني حتى أسرعت بالذهاب. صار هذا عندها عادة. نظرت إليها تبتعد بخطى سريعة. “م” الشاهد على قلقي همس:
– أرى أنك مضطرب، أنت تحب إيدا. أليس كذلك؟
كنت سأدافع عن نفسي عندما قاطعني بقوله:
– لا تنكر، أنا أرى الطريقة التي تنظر بها إليها، كلك إعجاب أمامها، لا تحول عينيك عن وجهها، لم تعد تأبه بأي شيء في ظل وجودها. لكن من الأفضل أن أقول لك إنها لا تحب الرجال. الرجال بالنسبة لها أشرار جميعا ولا ينبغي للمرأة بتاتا أن تثق بهم.
– لكن أنت رجل أيضا؟ وتعرف أنني لست كذلك.

لماذا هذا الموقف المتطرف من إيدا؟ ما الذي في حياتها، ماضيها كان السبب في هذا القرار؟ لا شك أنها عانت من خيبة كبيرة ومنذ ذلك لم تعد ترغب في سماع حديث عن علاقة الحب.

مدام-بوفاري
أحد أغلفة رواية مدام بوفاري للكاتب الفرنسي جوستاف فلوبير

واصل “م”:
– لا يذهب بك الظن أنها عانت خيبات عاطفية أو أن لها ميلا للنساء، حكايتها بسيطة ومعقدة في الآن ذاته، فمنذ أن قرأت رواية مادام بوفاري في مراهقتها، ورأت أن لا أحد أغاث إيما في معاناتها، لا ليون ولا رودولف دعماها في محنتها. الحاصل، كان الرجال سبب انهيارها وانتحارها. هذه الرواية تركت أثرا عظيما في شخصية إيدا حتى أنها قررت بأن لا تواعد رجلا قط.

هل الأمر فعلا يتعلق برواية؟ هل تستطيع الحكاية أن تجعل الإنسان يتخد قرارا صارما كهذا؟ لا أطمئن إلى هذه الفرضية كثيرا. لكن إذا سلمنا بأن الأمر يتعلق برواية فلوبير هل يمكن لإيدا أن تغير رأيها بسبب رواية أخرى أكتبها أنا؟

نسيت أنني لا أجيد الكتابة، فرصة أخرى أضيعها بسبب عجزي عن ممارسة الأدب.

إيدا، آدا، عايدة، إيدا

وليد احمين

وليد احمين طالب بالمدرسة العليا للأساتذة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *