الحرب على أوكرانيا.. وأزمة الأخلاق

اندلعت الحرب إذن.. اُطلقت صفارات الإنذار منتصف ليلة الرابع والعشرين من ليالي شباط الشتوية الباردة في العاصمة الأوكرانية “كييف” معلنة بداية الإنزال العسكري الروسي على أراضيها، ليبدأ الأوكرانيون بحزم حقائبهم تأهبا لمغادرة البلاد.

وماهي إلا ساعات قليلة حتى امتلأت الشوراع بالسيارات المغادرة في اتجاه واحد، الهروب نحو الغرب واللجوء إلى بولندا أو المجر.
العالم كله يترقب في صمت ردود الأفعال الدولية وتصريحات زعماء العالم، هل ستغدو حربا عالمية ثالثة بتدخل حلف الناتو لنجدة القارة الأوربية ومنع البلشفية من استعادة أمجادها، أم أن أوكرانيا ستدفع وحيدة ثمن وثوقها في أصدقاء المصالح لا غير؟ لا أحد يدري! وحدها الساعات القادمة ستخبرنا الحقيقة.
شاشات التلفاز تنقل الأخبار العاجلة في بث مباشر وعيون الجميع تراقب في ذعر. كانت مشاهد شبيهة بتلك التى تُعرض في الأفلام الأمريكية الحربية على منصات الأفلام العالمية، لكن المفارقة هنا أن أميريكا لم تلعب دور المنقذ البطل كما جرت العادة، بل اكتفى رئيسها بإطلاق تصريحات تكشف حقيقة البعبع الأميركي المزعوم وتفضحه!

في هذه الحرب بالذات، سيأخذ الجميع حجمه الطبيعي، دون انحياز ودون محاباة!
الحرب لعبة الكبار، وبين جبروت الطغاة وأنين الضحايا وصمت الأقزام، وقف العرب صفين كالعادة!

إن الاصطفاف الايديولوجي أمر مشروع على كل حال، واختيار تيار يميل الواحد منا إلى تبني توجهاته لا يُضير، لكن التعاطف مع الضحايا المدنيين والأبرياء البؤساء من المفترض أن تكون حتمية لا مجال للجدال فيها! لكن الأمر لم يعد كذلك على ما يبدو!

فمنذ بداية هذه الحرب لم يتردد السوريون اختيار الوقوف في صف أوكرانيا لأن روسيا سابقتها على أراضيهم، أو ربما لأن لهم سابقة قاسية بالأمس القريب مع الدماء والدمار والشتات!
أما العراقيون فقد اختاروا الوقوف في صف روسيا! كيف لا وقد شاركت أوكرانيا بجيوشها إبان التدخل الأمريكي في العراق وساهمت في تدميرها وتشريد أهلها بلا شفقة.
أما الفلسطينيون فلم ينسوا التذكير على مواقع التواصل الاجتماعي بأن “للظالم يوم!” مرددين دعاء “اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بين أيديهم سالمين”، في تشفي واضح وتذكير بمعاناه الشعب الفلسطيني لسنوات طويلة على أيادي غربية معلومة ومجهولة.

إلى هنا يبدو الأمر منطقيا، فالعربي ما فتئ يردد مقولة العين بالعين بل ويعمل بها!

لكن اللامنطقي واللانساني هو كمية الجهل المتفشي لدى معظم الشعوب العربية، والذي طفح بشكل لا يصدق على مواقع التواصل الاجتماعي، في استخفاف صريح وسخرية مقيتة من المعاناة البشرية لمدنيين أبرياء بغّض النظر عن ديدنهم وجذورهم وألوانهم.

إن الإنسانية في مفهومها الابستمولوجي البسيط لا تتجزأ، ولا تتخير ولا تنتقي ولا تخضع للمساومة ولا للغربلة ولا لشروط مسبقة.. وإن الاستخفاف بالمآسي الإنسانية واحتقار الفرد البشري والتشفي بمصائبه وأوجاعه أمر غير مشروع وغير مقبول البتة!

لطالما كانت إنسانية الغرب محدودة، لا بل ومغشوشة، تتعمد عدسات الكاميرا تصويرها لأنها نادرة الحدوث في ثقافتاتهم وربما مفبركة.
لكن ماذا عن أمة سيد خير الخلق رسولها؟
الأمثلة عن سماحة ديننا وإنسانية نبينا لا تخفى على أي منا، ولا داعي للتذكير بها، لكننا أصبحنا كغيرنا، نكيل بمكيالين، فندّعي النزاهة ونسُبّ غيرنا على أشياء نتشارك في فعلها.. أما إنسانيتنا المفطورين عليها فقد أصبحنا نخبئها لحالات انكسارنا وضعفنا.

قصفت روسيا أوكرانيا بالصواريخ فانكشفت هشاشة أخلاق العالم العربي!
عالم لازال يُصارع الجهل فيُصرع، فيصارع السُفه فيُصرع، فيُصارع التفاهة والسطحية فيصرعانه.
ليس ثمة هناك إنسان طبيعي واحد على وجه البسيطة يُفضل الحرب والدماء على السلام، قد يكون منطق استخدام القوة أحيانا أمراً محتوما، لكن تجرد الإنسان من إنسانيته لا مبرر له!
ربما يكون الغرب وحوشا بغزوهم لنا وانتهاكهم لحرمات ديارنا لكن وجب أن نحاذر ونحن نعاديهم أن نتشبه بهم!

الحرب على أوكرانيا.. وأزمة الأخلاق

سلمى بن دعاس

استاذة لغة فرنسية. مهتمة بالادب.. بالترجمة و الكتابة الفلسفية كتبت رواية تحمل عنوان (عندما نشتهي..نشتري).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *