لا تنسى .. غدا أفضل

كنت أعتقد أن الحياة سهلة كثيرا وأبسط بكثير ، الشيء الذي لم أنله بالقوة أنله بقوة أكبر ، الشيء الذي لم أخذه بالحب أخذه بحب أكبر . كنت أظن أن الحياة واضحة كما الرياضيات 1+1=2 دالة تصاعدية ؛ درست نجحت ، اجتهدت وجدت ، حاولت نلت ، عاملت الآخرين بالحسنى والكلمة الطيبة “قل خيرا أو اصمت” سأعامل بالمثل ، أليس هذا هو قانون السببية لكل سبب مسبب ولكل عمل جزاؤه ولكل فعل رد فعل .
لكنني اليوم أرى الحياة تجلس على كرسي مقابل لنافذتي في الحديقة المجاورة للمنزل تتأملني وتضحك كثيرا ومطولا وبشكل ساخر .
الحياة أعقد بكثير وصعبة كثيرا ؛ نبتة الصبار التي عاملتها بحب ورويتها بحنية كصديقة حميمة اليوم ماتت ، كلب جارنا الذي أطعمته لسنوات عدة وأنا ألهو معه الأسبوع الماضي عضني ، صديقتي من المدرسة الابتدائية التي لطالما نصصت وجبتي لنأكل معا تحدثت بالسوء عني أمام الملأ ، جدتي السيدة المحترمة المحبة الطيبة ماتت فجأة في إحدى الصباحات الباردة ، كنت يومها أتجول رفقة أصدقاء قدامى بمدينة مجاورة ؛ أنا أتجول وجدتي تنازع الموت ، إلهي كم الحياة غريبة !
بالتأكيد لن تستطيع دائما تنفيذ كل القرارات التي اتخذتَها في الحياة باستقلالية و قناعة ، الإنسان لا حق له في امتلاك فرصة التحكم في حياته دائما ، ببساطة لأن النتيجة غيبية وليست محتومة . الحياة ليست كما الرياضيات ، لا يوجد الأسود و الأبيض فقط ، هناك الرمادي أيضا . بالرغم من ذلك قف في وجهها ، اجرفها للمكان الذي تريده أنت تجدها واصرخ بها قائلا لقد قررت ، طبعا ليس شرطا أن تسمعك ولكن أن تواجه وتخترق الصمت حتى ، هذا قرار يحتاج الشجاعة لذا تحلى بها .
ولا تنسى في مجتمع قشوري كمجتمعنا غارق بالأجوبة ، لا تخف أن تطرح الأسئلة لا تجعل دماغك وقلبك يشتغل بنفس الحركة الميكانيكة الروتينية لدقات القلب كما الآخرين ، تجرأ لكي تحيا حياة حقيقة بعيدا عن الزيف و القشور ، وكن صاحب فكرة فالفكرة أقوى من كل شيء .
ستحاول فتح باب ، و يفتح في وجهك ثم تُسر ودون أن تدرك أن وراء هذا الباب أبواب عدة مغلقة ، ستطرق بابا ويقفل في وجهك تكتئب تنوح ودون أن تدرك أن وراء هذا الباب أبوابا عدة مفاتيحها بيدك وتسرّك ، هي الحياة شيء كهذا تمنحك فرصة البداية وتمنع عنك حق اختيار النهاية ، لكن كن كسام إبن نوح الذي قرر التوقف عن النواح و الوقوف بوجه الطوفان .
و لا تنسى ، الحياة هي الحلم بحياة أفضل وغد أفضل , شفاء من الخيبات ، بناء أهداف وطموحات جديدة ، علاقات مثمرة صادقة ، انتخابات ذات مصداقية ، الحرية للجميع في المعتقد الديني والتعبير عن الرأي واختيار طريقة الحياة ، لا أحد يحشر نفسه ويفرض على الآخر كيف يعيش ، لا وجود للمحسوبية والزبونية والأنانية ، خيرات البلاد الحبيب موزعة على الجميع ، لا أحد يسرق ويختلس ، لا أطفال يموتون بسبب البرد والجوع ولا يحرمون من أبسط حقوقهم بسبب الظروف الحياتية والمناخية القاسية ، لا نساء حوامل يموتون أثناء الولادة بسبب غياب المراقبة الصحية و المراكز الاستشفائية والطرق الإسفلتية ، لا مدارس بعيدة ولا طرق غير معبدة .. للجميع الحق في العيش بكرامة ، لا مختصين و فقهاء في الدين متشددين ومنغلقين يرفضون العلوم الغربية و الأسئلة الوجودية سواء عن الدين أو حياة الإنسان المسلم بين القدر و إرادة الاختيار ، فالتطبيق دون الفهم ينافي المنهج المحمدي في تبليغ الرسالة فالرسول صلّ الله عليه وسلم قال ” …وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِر” .
لا تنسى .. غدا أفضل