متى عليك أن تصبح سلحفاة؟

ما غاب عن ناظرنا أهم وأكمل

هدية غير متوقعة

في عيدي ميلادي الثامن، كنت أريد أن أحصل على قطة صغيرة من ذوي الأعين الزرقاء، كانت تسحرني فكرة أن يكون لي كائن حي كتابع، لطيف ألاعبه في أوقات فراغي، لكنني بدلا من ذلك حصلت على سلحفاة!! قالت جدتي أنها مميزة بطريقة ما، إلا أنني لم أكن مقتنعة تماما بشكلها، ومع الوقت أصبحت مملة فهي تقضي ساعات طوال داخل قوقعتها بينما أنا في الخارج أنتظرها أن تتفرغ لألعب معها، أو بها ففضولي الطفولي لم يعرف حدا.

في إحدى المرات وبينما كانت الصديقة في منزلها، قررت أن يكون لي ملاذ أيضا ولتنتظر هي دورها، كانت في حديقتنا الخلفية مجموعة من المعدات، من ضمنها خشبات وصفائح قصدير، كانت لأبي فاستعملتها في تشكيل منزلي الصغير الخاص؛ لا زلت أذكر استمتاعي بوقتي آنذاك بالرغم من بساطة الإمكانيات، إلا أنني كنت أشعر بفخر بالنتيجة التي خرجت بها، تلاه من السعادة ما جعلني أركض في الباحة كالمجنونة.

سلحفاة

أثر الهدية في المستقبل

بعد أربعة عشر سنة ها أنا ذا أتابع شغفي، أدرس الهندسة بكل جوارحي، وجدت نفسي في المعمار في كل التصاميم المتراصة، لا زلت أشعر بالفخر عند كل خطوة أخطوها، أقرن كل تصميم وكل خط بالدفء الذي سيطاله حالما يصبح على أرض الواقع، بالضحكات التي ستؤثثه.
كانت لي صديقة لطالما أبدت إعجابها بمثابرتي وتعجبها من كون نهاية الأسبوع لا تشكل مصدر راحة بالنسبة لي.
سألتني ذات يوم فاطمة كيف وجدت شغفك بالحياة؟

أخدتني ذاكرتي لذلك اليوم، وضعتني أمام السلحفاة، لم أجد جوابا لما كانت السلحفاة تفعله آنداك إلا أنني اكتشفت جانبا مهما من شخصيتي بينما كنت أنتظرها ان تشاركني اللعب، وجدت شغفي، عزوت سعادتي الآن لخلوتي ذلك اليوم.
كنت وحدي فالتفت لجانب مهم من ميولاتي، الوحدة والاختلاء بالذات سبيل واضح للرجوع والتعرف عليها، أن تعرف نفسك، أن تعرف قدرها جوانبها ونواقصها؛ يعني أن تقيمها في مقام لا يزحزحه أحد.

تماما كالبذرة نضعها داخل الأصيص في أعماق التربة، ندفنها وننساها، لا نراها تتشكل وتتبرعم وتنفلق؛ خروجها للسطح على شكل نبتة بالنسبة لنا ظاهرة طبيعية من الجميل رؤيتها، لكن ما غاب عن ناظرنا كان أهم مراحل تشكلها.

في يومنا العديد من الوسائل تزيح نظرنا وتشغلنا عن أنفسنا، وقتنا تربة خصبة تدعونا لنلتفت إلى ماضينا، كما علينا التوقف والتبرعم داخل جوفنا، هذه الفرصة التي تتيح لنا تمحيص أفكارنا والخوض في ماهيتنا.

متى عليك أن تصبح سلحفاة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *