على هامش اليوم العالمي لحرية الصحافة

أية آفاق لإعلام وصحافة لا تكيل بمكيالين؟

الصحافة ليست جريمة

في اليوم العالمي لحرية الصحافة 3 ماي/ آذار، وفي ظل زحف “صحافة الأواكس” و”صحافة التشهير”؛ المدخل الأساسي لحفظ ما تبقى مما تبقى من ماء وجه الصحافة هو المزيد والمزيد من الوعي المجتمعي والتكوين العلمي وضبط المنهج الإعلامي والسعي إلى بناء جيل إعلامي مؤطر واعي بمسؤوليته الأخلاقية والاجتماعية.

إن حرية الصحافة تعني الآن في هاته الظرفية خلق انفراج سياسي وإطلاق سراح الصحافيين المعتقلين في قضايا الرأي ووقف المتابعات السياسية للصحافة (وهذا مطلب ملح وضروري وآني وتصحيح لمسار انزاح كثيرا عن المعتاد) لكن نقاط أخرى يجب أن تثار على هامش نقاش حرية الصحافة.

حرية-الصحافة
صورة تعبيرية

أسس حرية الصحافة

حرية الصحافة اليوم رهينة بثلاث أسس: التكوين والمجتمع وإرادة الدولة؛ فالأولى مؤسسة على نظريات وأسس علمية وتلقي تكوين يمكن الصحفي من ممارسة مهنته بنبل وأخلاق -وبحذر كذلك- ومن خلال هذا التكوين والتأهيل الذي لا يجعل منه صحافيا فقط بل محللا للواقع وضبطه وفهم تناقضات المجتمع ونقل همومه وتحليل الصراع الطبقي القائم خلاله انطلاقا من رؤى واضحة ومن منطلق دياليكتيكي، وهذا لن يتحقق إلا بتلقي تكوين حقيقي والتخلي عن التكوينات “الفولكلورية” التي تجعل من الصحافي وقودا لمحركات في ظل سيرورة الصراع لا غير وجعله صحافيا يرى الأمور من الداخل الضيق فقط.

المدخل الثاني من داخل الثلاثية هي المجتمع فالإعلام رهين بالمجتمع يعكس تصوراته أحيانا وتجمعهما علاقة مركبة ومعقدة تتميز بالتأثير والتأثر. وحسب مارشال ماكلوهان فكل تغيير يصيب المجتمعات في الحقب الزمنية على مر التاريخ يرجع إلى شكل وسيلة الإعلام والاتصال التي تربط أفراد المجتمع بما حولهم. كما أن الاختراعات التكنولوجية المهمة (في إشارة ماكلوهان إلى وسائل الإعلام) هي التي تؤثر تأثيرا أساسيا على المجتمعات.

إن وسائل الإعلام التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها ستحدد طبيعة المجتمع، وكيف يعالج مشاكله، كما أن أي وسيلة جديدة أو امتداد للإنسان، يشكلان ظروفا جديدة محيطة تسيطر على ما يفعله الأفراد الذين يعيشون في ظل هذه الظروف، وتؤثر على الطريقة التي يفكرون ويعملون وفقاً لها.

هذه النظرية يمكن أن تسمى بالحتمية التكنولوجية وهي شبيهة بالحتمية الاقتصادية لكارل ماركس ومن هذا المنطلق يمكن أن نجد في المقاربة الماركسية للمجتمع ما يفيد في فهمنا لجدلية الإعلام والمجتمع.

أما المدخل الثالث والأخير وهو إرادة الدولة فهو سعي الدولة إلى دمقرطة وسائل الإعلام ورفع سقف حرية النقد والتعبير وفتح نقاش حول مدى تأثير التضييق على حرية الصحافة على الجو السياسي فضلا عن جعل الصحافة في ملك الجميع وسعي الكل إلى المساهمة في وسائل الإعلام.

الصحافة
صورة تعبيرية

حرية الصحافة ووسائل الإعلام

إن حرية الصحافة مرتبطة بشكل كبير بسعي وسائل الإعلام بكل أشكالها إلى الإسهام في تحيل المجتمع بمنهج نقدي ودراسة المجتمع الإنساني المستهلك للإعلام انطلاقا من الواقع المادي الذي نعيش فيه وربطه بالصراعات الإجتماعية.

في اليوم العالمي لحرية السعي يجب أن نناضل من أجل وسائل الإعلام تخدم مصالح الطبقة العاملة والفئات المتوسطة من المجتمع في ظل رأسمالية “حديثة”، كما أن الرهان الآن على يقع على ضرورة دمقرطة الممارسة الإعلامية لحظر الملكية الفردية للصحف ووسائل الإعلام والسعي الى مجتمع خال من الإنقسام الطبقي والتفاوت الإجتماعي.

إن الحرية الحقيقية للصحافة هي أن تكون وسائل الإعلام، ذات ملكية جماعية ومشتركة بيد الدولة والشعب، فالشعب هو المالك الحقيقي لوسائل الإعلام، حيث يرى أن وسائل الإعلام والشعب يعملان من أجل هدف مشترك لإعلام شعبي ديمقراطي، والتي من أهم أهدافها زيادة وحدة الفكر بين أعضاء المجتمع وتعليم المبادئ الديمقراطية، أو إن صح التعبير الإشتراكية في أفق الشيوعية (في وسائل الإعلام) وتفسير الأحداث على ضوء تلك المبادئ.

على هامش اليوم العالمي لحرية الصحافة

أسامة باجي

أسامة باجي صحفي مهتم بالشأن السياسي والثقافي باحث في الإعلام والتواصل مدون وكاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *