معلم بلا ضمير

يذكرني هذا الحجر الصحي بطفولتي حين كنت أدرس بالسلك الابتدائي بالمستوى الثالث ، كانت بداية السنة الدراسية ومن المعلوم لدى الجميع ؛ تعرفنا على المدرّس الذي سيدرّسنا كان رجلا بدينا للغاية ويبدو من خلال صفات وجهه أنه “مجرم” ، أنا لم أكن مكترثة أنذاك بمظهره ، بل كان أهم شيء لدي هو الدراسة ، عدت إلى المنزل ونمت أترقب طلوع شمس صباح غد ؛ لأنه كان أول أيام الدراسة ، استيقظت مسرعة وتناولت فطوري والفرحة تغمر قلبي ، لم أظن يوما أن هذه الفرحة التي انتابتني ستصبح حزنا وتعاسة ترافقني حتى في منامي وطوال حياتي .

انتظرت أنا وزملائي المدرّس الجديد الذي سيعلمنا حروف اللغة الفرنسية وقواعدها لكنه لم يأتي ، لم تكن آخر مرة ، بل دامت هذه السنة كلها نراه أربعة أيام في الثلاثين يوما (الشهر) ، وأول شيء كان يقوم به عندما يأتي هو أن يضربنا ويعنفنا بعد انتهاءه كان يحمل هاتفه ويظل يتحدث حتى ينتهي الوقت ويكتفي بقول كلمة واحدة لازالت تترأى في ذهني هي “اخرجوا !” ، ربما هذا المعلم لم يعرف كيف يزرع قيم الحب والإيخاء ، ولم يدرّسنا أي شيء ، لكنه عرف كيف يجعل لنا أمراضا نفسية مختلفة … لقد مر على مذ أن درست عنده ثمان سنوات لا أعلم لماذا أقول درّسني ولكنه لم يدرّسنا سوى الوجع والإحباط ، هناك مقولة أقولها عنه عندما أتذكره وهي : «كاد المعلم أن يكون مجرما» رغم كل هذا كله ظل هناك سؤال يحيرني ماذا كان سيقع لو قام بعمله على أكمل وجه ؟ كان سيكون أفضل بكثير له ، لكن ما يحزنني أكثر هو عندما يأتي لطلب الصفح والسماح يوم القيامة آنذاك لن تنفعه الندامة ؛ لأن الوقت قد مر ، وكل شيء قد انتهى وتدمر ، فتلك العيون البريئة التي كانت في الصغر أصبحت الآن شيئًا من الماضي لأن الحاضر والمستقبل لدى البعض انهار بفضلك …

هل ترى أنك شخص يستحق أن يكون معلما ؛ أه ! لا ليس لديك الجواب سأجيب بدلا عنك ” بالطبع لا وليس هذا فقط ، بل وألف لا ” ، قد تستغرب وتقول هل من المعقول أن يكرهني تلامذتي هكذا دعني أبشرك مجددا ، بل وأكثر من هذا ، بصراحة أنا شخصياً لست فقط أكرهك ولكن لو كان شيء أكبر من الكره لأهديتك إياه ، ولكن أشفق عليك كثيراً ، هل تعلم لماذا ؟ لأنك شخص ساذج و غبي ، وليس هذا فقط ، بل الطامة الكبرى هي رغم أنك معلم إلا أنك جاهل بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، ربما قد تحاول أن تتغير وقد تكون قد تغيرت ولكن لا تنسى أنك لوثت بداية ملفك الحياتي والمهني .

أنا لا أنكر أنني كنت تلميذتك التي لم تدرّسها أي شيء يوما ما ، ولكني إن عاد بي القدر مجدداً أتمنى أن لا ألتقيك أبداً .

مريم الكربة

طالبة بيولوجيا، عاشقة الطب،كاتبة و مدونة لدى منصة معاني... أهتم بالتطور الطبي والعلمي...وأحب المسرح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *