الدول الفرنكوفونية والدول الأجلوساكسونية

أيّهما الأكثر تقدما ؟

نعيش اليوم حرب استقطاب شديدة جدا سواء الخفي منها أو المُعلَن بين الدول والحكومات في العالم، ولعل من بين هذه الصراعات الموجودة، الصراع التاريخي الذي بدأ منذ قرون بين فرنسا وإنجلترا حول ريادة العالم .فمَن هي الدولة الأكثر إشعاعا اليوم من بين المستعمرات السابقة للفريقين ؟
الحقيقة لا يمكن الحديث عن الفرنكوفونية وأي البلدان التي تميل إلى فرنسا واللغة الفرنسية، والأنجلوساكسونية وأي البلدان التي تميل لإنجلترا واللغة الإنجليزية، دون العودة ولو بشكل مُقتضَب للوراء قليلا والإشارة إلى أحداث جد مفصلية في الموضوع.

فبعد سقوط غرناطة سنة 1492م وتراجع العالم الإسلامي، تقدمت عدة دول أوروبية السباق للحصول على موطِئ قدم بالقارة الجديدة المكتشَفة في الغرب أي ” أمريكا “.
ومن الدول التي حافظت على ريادتها منذ تلك الفترة وصولا إلى الحربين العالميتين نجد بريطانيا – أي الإنجليز – وأيضا فرنسا، خصوصا مع خروج الأولى لنشر منتوجاتها بفضل “ الثورة الصناعيةسنة 1780م ، والثانية لنشر أفكارها بدافع ” الثورة الفرنسية ” سنة 1789م ( إيريك هوبزباوم، عصر الثورة ).
ومنذ تلك اللحظات والعالم يبدو يعيش على صِراع مُعسكرين – وهذا بشكل مختلف عن صراع أمريكا والإتحاد السوفياتي – حيث ينتشر هذا الصِّراع دون أن يظهر، خاصة في ما يسمى ” الدول النامية “، وبالتحديد الدول التي استعمرتها كل من إنجلترا وفرنسا في وقت من الأوقات.
ويبدو من خلال السياسات أن هنالِك تباين واضح في طريقة اشتغال كل من فرنسا وإنجلترا في التعاطي مع الدول الكثيرة التي سبق للإمبراطوريتين استعمارهما.
ففي الوقت الذي تُحاول فيه انجلترا إظهار عدم وجود صراع، وتكتفي بتعميق علاقاتها شيئا فشيئا مع مستعمراتها السابقة بما يتماشى وعدم المساس بالسيادة الخاصة بكل دولة مستقلة على الأقل في العلن.
فعلى النقيض من ذلك فقد ذهبت فرنسا في منحى آخر منذ سنة 1970م وذلك بولادة “ المنظمة الدولية للفرنكوفونية ” والتي تضم في عضوتها 88 دولة وحكومة تعتمد اللغة الفرنسية كلغة رسمية أو على الأقل تنتشر بها.
وتتفرع الدول الـ88 داخل المنظمة إلى 54 دولة وحكومة عضو؛ منهم من الدول العربية: المغرب، تونس، موريتانيا، مصر، جيبوتي، لبنان. و7 دول وحكومات منتسِبة للمنظمة؛ منهم من العرب: الإمارات وقطر . و27 دولة وحكومة بمثابة ضيف شرف، حيث تحمل صفة مُراقِب ( الموقع الرسمي للمنظمة الدولية للفرنكوفونية ).مصر تَحضُر والجزائر تغيب!

بل إن هناك “ يوما عالميا للفرنكوفونية ” في 20 مارس من كل سنة تحتفي فيه مُعظم الدول المنتمية للمنظمة باللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية.
ولمحاولة الإجابة عن السؤال الرئيسي الذي يُفيد؛ مَن الأكثر تقدما من بين البلدان الفرنكوفونية والأنجلوساكسونية؟ فالأجدر بنا الاعتماد على مُؤشرات ملموسة يُعتدّ بها، ولعل مُراد المقارنة يتحقق بكيفية أفضل بتبين توجه الدول الأكثر تقدما في مجالي الإقتصاد والتعليم بالعالم.
فإذا تكلمنا عن المُؤشر الإقتصادي فالنظر لترتيب الدول حسب الناتج المحلي الإجمالي ( GDP ) – أو أُم المؤشرات الإقتصادية على قول سيد جبيل – سيكون الأهم ، حيث الدول الـ20 الأُولى هي على التوالي: الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، اليابان، ألمانيا، بريطانيا، الهند، فرنسا، البرازيل، إيطاليا، كندا، كوريا الجنوبية، روسيا، أستراليا، اسبانيا، المكسيك، إندونيسيا، تركيا، هولندا، السعودية، سويسرا ( صندوق النقد الدولي 2017 ) .
ويتبين من خلال القائمة المذكورة للدول الأقوى اقتصاديا أنّه باستثناء فرنسا وسويسرا ( الفرنكوفونيتين ) فإن بقية الدول إما تقِف على الحياد في الصراع ولا تتبنّى أي من اللغتين الفرنسية أو الإنجليزية ( 8 دول )، أو هناك دول تُعد الغالبية ( 10 دول ) تعتبر اللغة الإنجليزية لديها اللغة الأم الأصلية أو على الأقل اللغة الأولى الأجنبية في التوجه والإنفتاح الخارجي.
وإذا تكلمنا عن التعليم الأقوى بالعالم بين الدول، سنجد أن الدول الأربعة الأولى هي على التوالي: سنغافورة، سويسرا، فنلندا، قطر ( مُؤشر جودة التعليم – المنتدى الإقتصادي العالمي 2015 / 2016 ) .
وإذا اعتبرنا فنلندا خارج الصراع، فإن الغلبة ومرة أخرى ستكون للدول الأنجلوساكسونية أو التي تميل لإسخدام اللغة الإنجليزية في البلد وبالتحديد سنغافورة وقطر على حساب سويسرا من بين الدول الأربعة الأولى في التعليم العالمي بالسنة المذكورة.
وعليه فالظاهر أنّ الفرنكوفونية بالدول التي تميل لاستخدام اللغة الفرنسية، والأنجلوساكسونية بالدول التي تميل لاستخدام اللغة الإنجليزية، يخوضان اليوم صراعا يميل في كفّته إلى الطرف الثاني ألا وهم الإنجليز. خاصة وأنّنا اليوم لا يمكننا أن نتحدّث عن اللغة الإنجليزية دون ذكر الولايات المتحدة الأمريكية التي باتت – وعلى ما يبدو – هي التي تميل بالكفّة.
وقد يدل كل ذلك على أن اللغة الإنجليزية اليوم هي أقوى في الإنتشار والتأثير من أن تُقارَن باللغة الفرنسية، وإن كان طبعا وضع الدول التي تميل للفرنسية في موضع حيرة وتوجُّس، خاصة إن كان النموذج الأكبر ” وهو فرنسا ” هو نفسه يعاني في صمت، فكيف بالدول التابعة والتي جُلّها من القارة الإفريقية التي تعاني بشكل أشدّ.
..
وفي كل الأحوال تبقى اللُّغات الأم للبلدان خير ركيزة في التشبُّت بالهوية والترقي، دون أن يعني ذلك عدم الإستعانة باللغات الأجنبية المتطورة، ويبدو أن التحدّي هو في التوفيق بين الطريقين.

ادريس ممادي

السن : من مواليد سنة 1997م. الإقامة : مدينة فاس / المغرب . الصفة : باحث في التاريخ ومدون . الشهادات : إجازة أساسية في التاريخ والحضارة ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس . إجازة مهنية في تدريس التاريخ والجغرافيا ، المدرسة العليا للأساتذة - فاس ( ENS FES ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *