كلماتك أيها الفصيح

في الليل تَجْلِدُ نَفسَها
لَا في سبيل الحُسَيْن، ولا في سبيل المسيح
ولا لِأَجْلِ يَدَيْكَ أَيُّها الفصيح
جِلْدُهَا الرَّخْصُ الناعمُ يَشْتَهيكْ، يَدْعُوك
صَدْرُهَا النَّازِفُ يُرِيدَكَ مَعْنًى لِآهَاتِهِ الخَاوِيَة
وَفَرَاغُ روحِها يَطْلُبُكَ سَمَاءً لِأَوْجَاعِهِ الوَاهِيَة
وَعَيْنَاهَا تَسْتَقِي السَّرَابَ فِي صَحْرَاءِ الشَّوْقِ نَظْرَةً منك
لِذَا في الليل تَجْلِدُ نَفْسَهَا
لكن، ليس لِأَجْلِ عَيْنَيْكَ أَيُّهَا الفَصِيح
أَتَدْري مَا تَصْنَعُ بها كَلِمَاتُك؟
تُبَعْثِرُهَا، تُخْرِجُهَا مِنْ ذَاتِهَا وَتَبْعَثُهَا
وَتُقِيمُهَا عَلَى شَاطِئِ اللِّقَاءِ عَاجِزَةً كَأَحْلَامِ الأَمَلِ الجَرِيحْ
هي في النهار إنسان تَحْمِلُهُ قَدَمَانِ وَسَعْيٌ وأَوْهَام
وفي اللَّيْلِ هي بَقَايا أَطْلَالِ كَنِيسَةٍ قَدِيمَةٍ عَبَثَتْ بِعَذْرَائِهَا يَدُ الدَّهْرِ وَالفَوْضَى
لَا أَحَدَ يَسْمَعُ بُكَاءَهَا
هي لا تَبكي
لا أحد يَرى حُزنَها
هي لا تَحْزن
في اللَّيْل، هي تَجْلِدُ نَفْسَهَا فَقَطْ
هي الوَحِيدَةُ مَنْ شَيَّعَتْكَ إِلَى الصَّليب
عُدْتَ أَنت، وصُلِبَتْ هي
أَوَلَمْ تَعْلَمْ مَا فَعَلَتْ كَلِماتُكَ بِها؟
لَقَد صَلَبَتْها وَجَلَدَتْها، وَعَلَّمَتْهَا كَيْفَ تَجْلِدُ نَفْسَهَا
هي الوحيدة مَن تَكَلَّلَتْ عَنْكَ إِكْلِيلَ الشَّوك
وَفَرَشَتْ لَكَ الفَضيلَةَ والرَّذيلَةَ وُرُودًا
وَعُدْتَ أَنْت، وَبَقِيَ لَهَا الصَّليبُ مُدَرَّجًا بِدِمَائِها، وَبَقِيَ لَهَا الشَّوْك
أَتَعْلَمُ مَا حَلَّ بِتِلْكَ الوُرُود؟
لَا زالتْ تَتَفَتَّحُ كُلَّ ليلَةٍ عَلى جِلْدِها حين تَجْلِدُ نَفْسَهَا!
وَحِيدَةٌ هي وَتَعَبُهَا الخَالِصُ يَحْتَاجُ لَمْسَةَ جُنُونٍ منك
كَئيبَةٌ وَقَلَقُهَا لَا يَحْتَاجُ إِلّا عِنَاقًا صَامِتًا مِنْك
حَالِمَةٌ تُحِبُّ المَوْتَ بَعِيدًا عنك
بَعيدًا عَنْ جُرْأَتِكَ، عَنْ لَمْسَتِكَ، عَنْ خَيْبَتِكَ، وَبَعيدًا عَنْ أَوْهَامِك بَعيدًا عَنْ كَلِمَاتِك
أَوَلَا تَعْلَمُ مَا تَصْنَعُ بِهَا كَلِمَاتُك؟
تَضَعُهَا عَلَى قَمَرٍ فَوقَ السَّحاب
وَتُخْضِعُ لَهَا النَّجْمَاتِ رَاقِصَاتٍ طَوْعَ يَدَيْهَا
لَكِنَّها تُرِيدُ يَدَيْكَ أَيُّها الفصيح لا كَلِمَاتِك
لِذَا تَرَاها مُدْمِنَةً عَلَى جَلْدِ نَفْسِهَا في اللَّيْلِ بِيَدَيْك.. عَلَى كَلِمَاتِك

كلماتك أيها الفصيح

Exit mobile version