ليتنا لم نكبر

ولكننا كبرنا يا أمي

كبرنا يا أمي وتبخرت أحلامنا الوردية، لقد أيقنا أن الزمن ليس كما نظن.

لقد كبرنا يا أمي وتغير كل شيء حتى النوم الذي كنا نرفض أن نغط فيه أصبح لا يرانا إلا مرة أو مرتين في الأسبوع ليس لشيء سوى لأننا نفكر في المستقبل، لقد بات هذا الأخير يشكل النقطة التي أفاضت الكأس، علمنا أن الزهور أيضا تحمل أشواكا وأن الحياة تحتاج عملا يؤمن لقمة العيش وليس حلما.

ربما أيقنا أن الأحلام لا تتحقق دائما أو ربما الإنسان لا يستطيع التحكم في قدره لأنها أشياء حتمية ستقع ولو رفضت حدوثها، وكم من خير وراءه شر وكم من شر باطنه خير.

صورة تعبيرية

كبرنا يا أمي و عرفنا أن الأساتذة ليسوا ملائكة بل يشبهون إبليس في أفعالهم؛ عرفنا أيضاً أنه ليس هنالك صديق مثل “روميو” وأن عهد الأصدقاء لم يكن في ظاهر الحقيقة سوى غدر الأصدقاء. لقد علمنا يا أمي أن الدواء الذي كنا نرفضه في الصغر كان لمصلحتنا، وأن اللعب الذي كنا نستمتع به كان لفترة من الزمن ليس إلا.

لقد كبرنا يا أمي وأيقنا أن يدك التي كنا نرفض أن تمسك بنا لإيصالنا إلى المدرسة هي نفسها اليد التي ترفع ليلا لتدعو لنا. كبرنا لنعرف أن دفء البطانية لا يسخن سوى أجسادنا أما قلوبنا وأرواحنا كانت تدفء بحضنك؛ خرجنا للحياة لنعلم أن أفضل أيام حياتنا تلك التي قضيناها داخل رحمك.

لا أعلم كيف مر هذا الكم الهائل من الوقت! ونحن مازلنا شبابا؛ أنا حاليا في التاسعة عشر من عمري وأبدو وكأني في السادسة عشر، ولكن نفسيتي وهمومي تشبه عجوزا في الحادية والتسعين من عمرها.

لقد ظننت يا أمي أن الأخلاق مهمة جداً لذا تشبثت بها. لم أفعل ما فعلته قريناتي؛ لم أضع مكياجا في حياتي فأنا لا أحب الأقنعة، ولم أكوِّن علاقة مع شاب قط لأنني أخاف يوما تشخص فيه الأبصار لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا} (الآية 32 من سورة الإسراء)؛ لقد جعلت مني هذه الأخلاق شخصاً معقدا في عيون الآخرين ونرجسية لدى البعض الآخر.

هل تعلمين يا أمي أنني دائما أردد عبارة يا ليتني لم أكبر لأن شغلك الشاغل أنت وأبي كان كيفية إسعادنا، والآن كبرت وأحاول أن أرد ذاك الجميل رغم أن هذا مستحيل. هل تعلمين يا أمي أني أكون في غاية التعاسة والحزن ولكن فور رؤيتي لابتسامتك أنت وأبي أشعر وكأن الدنيا ربيع وكأنني في الجنة.

ليتنا لم نكبر

مريم الكربة

طالبة بيولوجيا، عاشقة الطب،كاتبة و مدونة لدى منصة معاني... أهتم بالتطور الطبي والعلمي...وأحب المسرح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *