الموت بين النسيان والجمال

نسيان الموت
الحقيقة أننا وإن كنا موقنين بأننا سنموت يوما ما ؛ إلا أن استعدادنا لتلك الحقيقة المغروسة في العقول والمقررة في النفوس ، وتسليما منها لا يشوبه أدنى شك ، رغم ذلك كله إلا أن استعدادنا لتلك القضية البالغة الأهمية لا يرقى إلى ما هو مطلوب .
قضية الموت من القضايا التي تحتاج إلى وقفة آنية ومستعجلة ، تصاحب الإنسان مصاحبةَ صعود نَفسهِ وهبوطها ، بل إنها تحتاج إلى تعمق دقيق في جوهرها واستشعار للمعاني التي تحمل بين طياتها ، إن ألما لموقفها أو جمالا لما بعد تلك اللحظة التي تصعد فيها الروح ويوضع الجسد في التراب .
لكن السؤال الذي يجعل من القضية محل جمال ، هو :
هل نأخذ العبرة من الموت ؟
و الأجمل من السؤال الذي سبق ، هو :
هل نستشعر جمال الموت ؟
قد يبدو في الوهلة الأولى أن ظاهر القضية يبدي قبحها و شناعتها و آلامها ، نعم فهذا لا ينازع فيه أحد وخصوصا إذا كان الموت بحادثة أو غرق أو حريق أو ما شابه ذلك … فعندها تكون مصيبة ظاهرا و باطنا ولقد سماها الحق عز وجل بالمصيبة لما لها من آثار نفسية على الفرد والأسرة والأصدقاء والأحباب ، فهي مفرقة لحلاوة الإجتماع و هادمة لزينة الدنيا .
لقد قال عنها سيد الخلق أنها هادمة اللذات و مفرقة الجماعات ، نعم هذا من حيث ظاهرها وما يستطيع الإنسان أن يدركه بعقله وما يصفه بحواسه .
لكن الأمر أكبر من ذلك لمن تأملها وقارنها بهذه الحياة الفانية و نظر فيها نظرة أخرى … على أنها البوابة التي تقودك لعالم الجمال حتى تدرك الجمال ، بهذا العمق تدرك أن الموت له جمال فريد !!
الموت يا أحبابي ليس ببعيد عنا ولا بشيء نعطيه موعدا كي نلتقي به ، بل إنها تأتينا فجأة وبغتة ، حتى من كان في حال أقرب إلى وداع الدنيا بأن يكون طريح الفراش لمدة من الزمن فينتظر الناس كلهم مفارقته لها ، نعم حتى هو الآخر تأتيه بغتة …
إذا تقرر هذا بأن الموت فجائي في أصله فلماذا لا نعمل لهذه الحقيقة التي لا يختلف فيها اثنان و لا يتناطح فيها عنزان ؟
قد تقول النفس والدنيا والملذات وغير ذلك كثير أو ببساطة تقول فتن الدنيا … كل ذلك ينهار أمام الموت ، الموت ذلك الجبل الصلد الذي لا يعترف بكل تلك التراهات ، فهو هادم اللذات ومفرق الجماعات كما قلت .
الموت هو الحقيقة التي لا ينكرها عاقل ، ولا يحبذ ملحد الحديث عنها أبدا ، لأنها ببساطة سر من أسرار هذا الكون وقيمة من قيمه العليا التي تفوق قدرة الإنسان على الإحاطة بكل أسرارها وإنما غاية ما في الأمر محاولة وصفها .
أما عن عدم الإنكار لها من طرف الإنسان ، فلأنها ببساطة من الأمور التي تعود إلى المشاهدة والحس وكل ما يخضع لذلك فلا يحتاج إلى عناء بيان وجهد في الاستدلال ، ونكران صحابه له متهم بخبل في عقله .
وقد عد علي رضي الله عنه نكرانها من العجائب حيث قال: وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى الموتى .
هذا بالنسبة للناسي!!
فما بالك بالجاحد!
وأضرب لك مثال كي يتضح الأمر و ينجلي .
كل يوم نرى أحد أقربائنا يحمل على الأكتاف و يوضع في القبر ولا يحرك ذلك المشهد المهول حقيقة فينا أي شيء ، والعجب كل العجب لمن يرى موت الفجاء ولا تتحرك نفسه ولا يتوجع قلبه ولا يتقظ عقله لما رآه .
جمالية الموت
لعل من بين الأشياء التي لا يتفطن لها المرء ولا يتبين جمالها قضية الموت ، تلك الحقيقة التي تخفي جمالا لا يعلم كنهه وحقيقته إلا خالق الجمال .
ويكفينا أن نستشعر إلى أين سنذهب !
ومن سنلتقي !
سنذهب إلى جنة الخلد إن شاء الله …
وسنلاقي ملك الملوك …
أشواق الإنسان تكون على حر من الجمر عند انتظار رؤية شخص عزير عليه ، فتجده فرحا مسروا مستعدا بكل جوارحه وقلبه لرؤية ذلك المحبوب ، هكذا ينبغي أن ننتظر لقاء ملك الملوك سبحانه وتعالى ، وبهذا الجمال نستعد لحقيقة الموت .
فما أروعه من لقاء
وما أجملها من حقيقة يعيش من أجلها الإنسان .
من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه