أولوية سيادة الدولة في التعاطي مع الهجرة

الصحراء منظار المملكة المغربية

إن بنود القانون الدولي أضحت لا تساير التطورات والمتغيرات المتسارعة لتبعات الهجرة كواقع اجتماعي، وأصبح المغرب أمام موجة جديدة من التدفقات البشرية من جنوب الصحراء لا ينظمها القانون الدولي بشكل دقيق (1)، فالتطور الذي لحق بالقانون الدولي العام اقتصر دوره فقط في التنصيص على المبادىء العامة، دون أن يقتصر في حالات كثيرة بتحديد السلوك الواجب الاتباع بشكل محدد، مما يجعل هذا التطورخاضعا لإرادة الدول في هذا الشأن (2)، فرغم أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد على ضرورة حماية الأفراد من جور الدول المستبدة، تجعل المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة للدول كامل السيادة، لهذا أضحى تطوير القانون الدولي والنهوض بمستواه أمرا ضروريا وملحا خاصة في ارتباطه بالمتغيرات التي تعرفها الهجرة الدولية المقترنة بالجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية (3) كالتهريب والاتجار في البشر والإرهاب وغسل الأموال (4).. ليعكس بذلك التطورات الحالية الحاصلة في العلاقات الدولية على مستوى الهجرة وذلك من خلال الموازنة بين حقوق الفرد من جهة وحقوق الدولة من جهة أخرى، كما خلق انسجام بين مختلف الوثائق الدولية (5).

وقد جاء في ديباجة دستور 2011 أن القوانين الدولية تسمو على القوانين الوطنية إلا ما يتعارض مع توابث المملكة وأهمها الوحدة الترابية التي تعد من أهم مظاهر السيادة، فلا تساهل ولا مساومة عند المساس بها، ولا جدوى من الدعم المفدم من طرف الاتحاد الأوروبي ليكون المغرب”دركي الهجرة” لحماية الحدود الخارجية عندما تحاول الدول المستفيدة ابتزاز المغرب، كما حدث مؤخرا في 2021 بعد تعنت الحكومة الإسبانية وتماديها في اتخاد خطوات لا تتماشى مع العلاقات التي تجمع البلدين ولا مستوى تعاونهما الأمني والثقافي والقضائي، ناهيك عن المبادلات التجارية التي تصب في صالح إسبانيا، اولها الموقف الناشز للنائب السابق لرئيس الحكومة “بابلو اغليسياس” مرورا بامتعاض اسبانيا من قرار الرئيس السابق لأمريكا “دونالد ترامب” الاعتراف بمغربية الصحراء، وصولا إلى استقبال زعيم البوليساريو في اسبانيا بهوية مزورة، كل ذلك مس بشكل أو باخر سيادة المغرب وجهوده في محاربة العبور غير القانوني نحو أوروبا.. بشكل جعله في وقت معين ينفي عنه صفة دركي أوروبا ويعمل بعقيدته القائمة على ضمان أمنه الداخلي أولا، مما دفع بإسبانيا إلى مراجعة أوراقها في نوعية العلاقات التي تسعى لبنائها مع المغرب نظرا لمركزه الفعال في حماية الأمن الإقليمي.

صورة تعبيرية

فالمغرب عند المساس بسيادته المستباحة إن لم نقل المطلقة لا يعتبر حكامة الهجرة من القواعد الآمرة في القانون الدولي لحقوق الانسان (6) وينفى الصفة الآمرة عن حماية الحدود الخارجية لبلده خاصة عند المساس بسلطان إرادته، حيث لم ينص على هذا الحق ضمن الحقوق التي لا يجوز مخالفتها والمنصوص عليها في المادة 30 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك المادة 4 من الفقرة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بالاضافة الى ذلك فقد نصت المادة 2 من الإعلان المتعلق بحقوق الانسان للأفراد (7) والتي أعطت الحق للدولة في إصدار التشريعات المتعلقة بدخول الأجانب إلى أراضيها بشرط احترام وعودها المتعلقة بحقوق الإنسان، وهاته السياسة ذات الهاجس الأمني ليست إلا واجهة للتغطية على هاجس سياسي تلعب فيه الحسابات السياسية وتغليب المصالح دورا هاما انطلاقا من منظور براغماتي خاصة وأن خصوم الوحدة الترابية يستعملون ورقة حقوق الإنسان للضغط على المغرب، لهذا اختار الملك محمد السادس المقاربة الأممية لحل النزاع وفق المقاربة الحقوقية (8).

المراجع

1.مونية هربال، الضمانات الاساسية لحماية اللاجئ، قضايا الهجرة والمهاجرين على ضوء الاتفاقيات الدولية والنصوص الوطنية مع رصد لأهم الاجتهادات القضائية،العدد السادس،مطبعة الأمنية،الرباط، 2017، ص7.
2.ادريس بوسكين، أوروبا والهجرة والإسلام، دار الحامد للنشر والتوزيع، الأردن 2013 ص 15.
3.محمد جميل النسور وعلا عازي عباسي، الاتجار في البشر كجريمة منظمة عابرة للحدود الوطنية وسبل مكافحتها، دراسة تحليلية في ضوء التشريعات الدولية والوطنية، دراسات علوم الشريعة والقانون، المجلد 41 ملحق 3 طبعة 2014، عمادة البحث العلمي الجامعة الأردنية، ص 1088.
4.خديجة نوعيم، التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم الجنائية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة القاضي عياض، مراكش، 2015/2016، ص 26.
5.حسن مصطفى سلامة، تطور القانون الدولي، دار النهضة العربية، مصر، 1996، ص 312.
6.محمد بلعيد ميلاد الساحلي، الهجرة غير الشرعية بين القانون الدولي لحقوق الانسان ومبدأ سيادة الدولة، رسالة لنيل الدكتوراة في القانون الدولي العام، كلية الحقوق، جامعة عين شمس 2015، ص 5.
7.جاء في الفقرة الثانية من الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بعا عالميا “تتخد كل دولة الخطوات التشريعية والإدارية والخطوات الأخرى اللازمة لضمان التمتع الفعلي بالحقوق والحريات المشار اليها في هدا الاعلان”.
8.ادريس الكريني، تقرير عن ندوة الهجرة واللجوء بالمغرب على الموقع www.tanmia.mz.

أولوية سيادة الدولة في التعاطي مع الهجرة

Exit mobile version