ماهيتي في اسمي

يمتاز البشر عن بعضهم البعض بعدة اختلافات، من بينها نجد الأسماء، إذ تعتبر أهم اختلاف إن صحَّ القول. فالاسم هو ما يخوّل لنا التعرف على الأشياء، كما أنه يسهل عملية التمييز بين شخص و آخر. فلو ناديت يا بشر أو يا آدمي لاستجاب لك الكثير منهم، لكن لو أنك تعرف اسم الشخص الذي تود محادثه لاستجاب لك فور مناداته دون غيره.

وهذا ما دفعني للبحث في ضرورة وجود الأسماء، والتي تقودنا بدورها للتساؤل عن مدى توافق الشخص مع اسمه، أو بمعنى آخر هل للمرء نصيب من اسمه ؟ و هل طبيعة الاسم تدل على ماهية الشخص ؟ ” لقد كان هذا نصيبي من اسمي ” عبارة قرأتها أول مرة في كتاب التداوي بالفلسفة لصاحبه سعيد ناشيد و كانت بمثابة حافز للتأمل في مدى توافقها مع طبائعي و عاداتي.

هذا مع العلم أنني كنت على اطلاع بمعنى اسم أيوب، فحسب أغلب المصادر هو اسم علم عربي من فعل آب يؤوب. ونجد لهذا الاسم في الإشتقاق اللغوي أيضاً أصلا في اللغة العبرية. و في التراث الثقافي العربي والإبراهيمي القديم، اسم أيوب مثال على الصبر والقوة الداخلية والتحدي والثبات على الصعاب. و هي قيم كانت وراء أغلب المديح الذي سمعته في حياتي، مما دفعني للحفاظ عليها و الاستمرار على هذا المنوال. و كان لاقتدائي بصبر نبي الله أيوب أثر واضح في جل محطات حياتي المستمرة لحد الآن. فقصته عبرة لمن يعتبر عن كيفية الصبر على شدائد الحياة، و قد لقنت هذا الدرس في صباي فكلما سقطت أو حدث أمر يدفعني للتألم و البكاء، كانت أمي تواسيني بعبارتها التي نقشت في ذهني ” اسمك أيوب و هو علامة الصبر مثل سيدنا أيوب لا تبكي اصبر ” فكنت أستجمع نفسي و أقاوم الألم الذي أحسه و استمر هذا الأمر معي حتى أصبحت أقاوم كل حالات الضعف، معتمدا على صبري و رجوعي لله طامحا لبلوغ أسمى مراتب التوافق مع اسمي، أما في ما يخص الجانب الآخر لمعنى اسم أيوب و هو التائب أو كثير الرجوع الى الله، لعلها كانت و لا زالت أبرز السمات  التي تطغى على الجانب الروحاني في شخصي.

فعلاقتي مع خالقي لا يمكن أن أصفها ببضع كلمات أو أسطر فهي علاقة وجدانية يحس بها كل فرد في ارتباطه مع خالقه، ففي غالب مواقف الحياة و في كل الزلات و المعاصي التي قمت بها كان لهذا الترابط و هذا الرجوع إلى الله وجود. فالأمر ليس مقتصر على حالات الضعف و الخوف من العقاب فقط، بل هذا الترابط و الرجوع إلى الله يتواجد في كل الحالات الكائنة و الممكنة.

‏ما دفع بي إلى البحث عن نصيب من اسمي، للسؤال عن من الذي اختار لي هذا الاسم حين كنت في المهد، لأتفاجأ بقصة جعلتني أتساءل كثيرا عن الغاية وراء اختيار هذا الاسم. خاصة و أنه ذلك وقع قبل أن تحمل بي أمي بما يقارب السنة و النصف، حينما كان عمر أختي الكبرى لا يتجاوز الثلاث سنوات، حيث كانت تلعب لتستدير فجأة و تقول لأمي “ستلدين ولد و سيكون اسمه أيوب كبشرى لمولود قادم”، و قد نسيت أمي هذه الحادثة لتتذكرها في اللحظة التي كانوا يقترحون فيها الأسماء. لعلهم يتفقون على اسم معين لي لتخبرهم بتلك القصة الطريفة، حيث تم الاتفاق على الاسم دون اعتراض من أحد على ذلك.

و ضمن سياق البحث عن معنى لاسمي ومدى ترابطه مع شخصيتي، صادفت علم يعرف بعلم الأسماء، وهو علم يعتمد على الفلك لتحديد صفات الإنسان من الاسم. حيث تفسر الأسماء بحسب الأحرف التي يحتويها، فلكل حرف أو مجموعة أحرف معنى معين أو مجموعة صفات يحملها صاحب هذا الاسم. وهذا أقرب ما يكون لما يفعله المنجمون، فحسب رأيهم من صفات حاملي اسم أيوب. أنه شخص يتميز بالصبر والثبات على الصعاب ويحب غيره ويسعى لإسعادهم وأنه شخصية تحب الظهور ويمر من اختبارات كثيرة في حياته..

ولم يكن هذا العلم الوحيد الذي حاول إيجاد معنى لاسم أيوب، بل علم النفس هو الأخير له نصيب في ذلك، بدراسات قد أقيمت على مجموعة من الأشخاص ممن يحملون هذا الاسم، وقد وجدت في تفاسير علم النفس البعض من السمات التي تطابقت مع شخصيتي فحسب رأيهم يتميز أيوب عن أقرانه ورفاقه بالثقة في الذات بشكل كبير، والنظرة التفاؤلية في مختلف أمور الحياة، كما يتمتع بالقدرة على مقاومة العقبات التي تعرقل طريق النجاح والطموح أمامه. لذا و حسب رأيهم هو من الشخصيات التي تنجح دائمًا في كافة المجالات التي يقدم عليها، و أيضًا يتحلى باللباقة في رد الفعل والتحدث مع الآخرين، مما يدعمه ليكون شخصية محبوبة بين أفراد المجتمع ويدعمه بالشهرة الاجتماعية لكثرة معارفه. كما أنه يتحلى بصفة التروي والتفكير بحكمة قبل التصرف أو اتخاذ أي قرار مستقبلي هام. لذا دومًا ما تكون قراراته صائبة. لكنه شخص مزاجي بطبعه، قد يكون في بعض الأوقات نشيط واجتماعي جدًا، وفي أوقات أخرى انطوائي ومنفرد بذاته. ولكن بهدف تجميع شتات ذاته والعودة للمواجهة من جديد لكافة العقبات والأمور التي تعرقل طريقه.

ويجدر بالذكر أن الباحثين لم يتوقفوا عند عتبة إيجابيات الشخص المسمى فقط، بل تطرقوا لبعض سيئات هذه الشخصية من قبيل كونه يفضل الانفراد بالذات في أوقات محددة تبعًا لما يمر به في حياته. بهدف التفكير فيما هو آت بحكمة واختيار التصرف السليم، وهذا يزعج البعض كونه يختفي لبعض الوقت لا أكثر إضافة على ذاك يمتاز بالعصبية في بعض المواقف وفقدان الأعصاب ولعلها أكثر سمة توافقت معي من كل السمات الشخصية التي سبق ذكرها.

بعد تأمل طويل وبحث معمق عن ماهيتي ومدى التوافق الموجود بين شخصيتي وطبيعتي، لازلت مقتنعا أنه ورغم التغيرات التي طرأت والصفات التي غابت وحلت مكانها أخرى، بأن هذا الاسم لم يختر لي عبثا من طفلة صغيرة كانت تلعب بدميتها، بل إنه أكثر اسم قد يناسبني رغم أنه لا يناسب مظهري الخارجي كما سبق وأخبرني أحد الاصدقاء، هذا مع تحفظي على بعض الأفكار التي وردت هنا من باب البحث والاطلاع ليتضح المعنى لا غير، فأنا لا أشبه ما ذكر هنا تمام الشبه، وهذا راجع لكوني أملك صفات لم تذكر هنا.

فأنا شخص نرجسي لهذا ارتأيت إخباركم بنفسي أنني لا أقدس أحد سوى نفسي، ولا أفضل أحد غيرها. هي حقيقة قد يخجل البعض من قولها لكن لا سبب يدعوني للخجل من قولها.

لا أحب أن أكون شبيه لأحد آخر، ولو في أبسط الأشياء، لهذا أعانق ظلي كلما رأيته فهو الوحيد الذي يشبهني وإن غابت ملامحه فالاسم مجرد صفة لا يتشابه كل حامله.

ماهيتي في اسمي

أيوب عزيزي

لست كاتبا لكني اكتب حين أشاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *