تساؤلات بلا عنوان

يخول للمرء الغوص في أعماق شاطئ الكون الفسيح لصبر أغواره والبحث لحين الوصول لأسراره المخفية ، كمحاولة لفهم الحياة بأكثر الطرق واقعية ، وللوصول إلى فهم شامل لهذه الأسرار ، استخدم الجنس البشري على مر العصور تقنيات وأساليب مختلفة ومتنوعة كما نستخدم التكنولوجيا الآن لنفس السبب وهو محاولة تطوير قدراتنا المعرفية .

إلا أنه ورغم التطور الذي نشهده لا زالت البشرية في حيرة من أمرها بخصوص تقنيات استخدمها القدماء في علوم شتى ، فقد تفننوا في البنايات بدقة هندسية لم نصل إليها إلا بعد قطعنا لأشواط من التطور المعرفي ، كما أنهم برعوا في علم الفلك وحددوا مواضع بعض النجوم بدقة متناهية سابقة لأوانها مما يدفعنا للسؤال عن المعارف التي اكتسبها القدماء وما هي العلوم التي استخدموها !؟

كثيرة هي الأمثلة التي تبرهن على أن البشرية توصلت من قبل إلى علوم ومعارف لم يعد لذكرها وجود في عصرنا الحالي ، ولعل فعل مثل ما فعلوه في بعض المنشآت لازال مستعص علينا رغم ما قد يمكن أن نتباهى به من تطور وتقدم في علوم شتى ، ألم يكن فشل عدة تجارب لبناء هرم جديد من قِبل علماء وباحثين كاشفا لضعفنا المعرفي أمام ما توصل إليه المصريين القدماء مثلا ؟

هذا ما دفعني للتساؤل مرارا و تكرارا عن الكيفية التي قام بها هؤلاء مستخدمين تلك الأدوات البدائية المتواجدة في مختلف المتاحف ، في حين لم نستطع فعلها لحد الآن رغم كل التقنيات المتاحة ، مما أرغمني على التفكير في الأمر مليا محاولا وضع سياق تاريخي قد يبرهن سبب تقدم العلوم في حقب معينة ، خاصة علوم الحضارات التي عُرفت بتواجدها في فترة ما قبل الطوفان العظيم ، لكونها أكثر فترة زمنية حام حولها غموض كبير لقلة المصادر أو بسبب التحريف الذي طال أغلب رواياتها لتناسب رواية دينية أو لغاية اديولوجية .

لهذا لا يمكننا التسليم بمصداقيتها ، وهذا ما دفعني للتفكير والبحث في الأمر بعمق ليقودني هذا التعمق إلى عدة استنتاجات و أفكار منها المنطقي ومنها ما هو مجرد ضرب من الخيال ، واصلت على هذا المنوال حتى داعبت ذهني فكرة جذابة أثارة انتباهي عند أول فرصة سنحت لها لتكون بمثابة حبل النجاة لي من بحر التساؤل الذي غرقت فيه خاصة حينما وضعت سياق تاريخي لها لتبدوا أكثر إغراء من السابق لتفتح عيني على إشارات كانت دائما أمام ناظري لكن لم اعرها اهتماما من قبل أو لعلي فهمتها بشكل آخر غير ما هي عليه ، ألم يخبرنا الله عز وجل في كتابه الكريم أنه علم آدم الأسماء كلها ؟ و في هذه النقطة وجدت عدة التفاسير تنسب إلى كل من إبن عباس ومجاهد ؛ فحواها أن الله تبارك وتعالى علم آدم أسماء كل الأشياء الموجودة . وهنا كانت الإشارة التي تحدثت عنها فتساءلت سؤالا كان الأهم في هذا البحث أليست العلوم والمعرفة منظوية تحت لواء كل شيء ؟ أليس من المرجح أو الله قد اوحى لآدم عليه السلام بمعارف وعلوم قد تسهل عليه العيش في وطنه الجديد ؟ كما لاحظت وجود إشارة اخرى في قصة سيدنا نوح عليه السلام مع قومه ، وهذا بإعتباره أول نبي بعث لهداية البشر ، من الوهلة الأولى يوحي هذا القول على أن البشرية لم تعرف الكفر بالله من قبل ، أي من عهد أدم لعهد نوح عليهما السلام حتى كفر قوم هذا الاخير ، أنا لا أقول أن البشرية لم ترتكب آثاما و معاصي ، لكنها لم تصل لحد الشرك بالله ، وذلك من خلال عبادتهم للاصنام دون الله ، كما أن في قصة سيدنا نوح شيء آخر فكرت فيه مليا محاولا فهم الأمر حسب سياقه التاريخي المعروف والذي يصرح على أن البشر حينها لم يتوفروا على علوم متطورة إذن لماذا كانوا يسخرون منه لصنعه السفينة ؟ ألم يكن من الأجدر أن ينال إعجابهم وإبهارهم لكونه صنع وسيلة للنقل لم أجد لها أثرا تاريخي قبل ذلك .

وهنا تحفزت ذاكرتي لأتذكر كل المرات التي سخرت فيها أو شهدت سخرية الآخرين على أحد ما لا زال يفعل شيء بطريقة قديمة أكل الدهر عليها وشرب ، ونقول له متهكمين العالم قد تطور وأنت لا زلت في العصور القديمة ، ماذا لو أن الأمر عينه حدث في قصة سيدنا نوح ، ماذا لو كانت البشرية قد راكمت المعرفة التي شاركهم إياها آدم عليه السلام ليتوصلوا من خلالها الى تقنيات و علوم خولت لهم استخدام وسائل نقل أكثر تطورا من السفينة ؟ ألن يكون من السخرية صناعة سفينة من الألواح بالطريقة التقليدية بينما وفرت لك أحدث المعدات والإمكانيات لصناعة أعتى وسيلة نقل غير السفينة التي يمكن أن تشرخ مع أول اصطدام لها مع الصخور .

تمخضت في مفكرتي كل هذه المعطيات و التساؤلات لدرجة انها حرمة النوم عن عيني في ليالي عديدة مما دفع للبحث أكثر في قصص الأولين ، عن إشارات لتواجد علوم أو تقنيات لم يعد لذكرها وجود في عصرنا الآني ، فبدأت من قصة الخلق مرورا بنزول آدم إلى الأرض والأمور التي حدثت من حينها إلى عهد نوح عليه السلام .

أصب جام تركيزي على هذه الحقبة لكونها الحقبة الأكثر غموضا كما أن الطوفان الكبير الذي وقع كان حدثا فاصلا في تاريخ البشرية ، حيث يمككنا القول انه كان بمثابة بداية جديدة بما أن القلة من البشر فقط من نجوا من تلك الكارثة كما يرجح أن أغلب العلوم والمعارف قد غرقت مع الباقين .

تخيل معي الأمر إن استطعت ؛ ماذا سيحدث لو أن طوفانا مشابها قد أعاد الكرة ووقع في عهدنا الحالي ولم يسلم منه سوى ثلة من البشر ؟ هل سيكون بمقدورهم عيش حياة مثل التي نحن عليها الآن بكل المقومات ؟ هل سيحتفظون بكل المعارف الموجودة الآن أم سيكون مصيرها الضياع ؟ خاصة وأن أغلب معارفنا محفوظة في رقاقات إلكترونية أو أقراص صلبة هل ستكون لها فائدة وإن نجت .

مع افتراض أن نخبة من البشر من ذوي المعارف الفذة كانوا ضمن قائمة الناجين ألن يكون مصير معارفهم تلك هو الاضمحلال و الاختفاء عبر الأجيال ؟ حتى وإن تم توارثها من جيل لآخر إلى أن يحين وقت وتصبح فيه مجرد أساطير يتم تداولها كما هو الأمر عليه مع الحضارة السومرية أو المصرية أو أغلب الحضارات السابقة التي خلفت وراءها أسرارا و ألغازا لم تحل بعد أغلبها لحد الآن ، ولعله ليس الأوان الذي سنجد فيه إجابات لهذه التساؤلات التي تدفع المرء لإعادة النظر فيما يعتقده وما يعرفه كمحاولة لبناء أسس معرفية متينة وهدم الأسس الواهية التي مرت إليه عبر التوارث المعرفي من جيل لآخر لتكوين رؤية أشمل عن سيرورة الحياة في كوكبنا منذ الفجر الأول للبشرية .

أيوب عزيزي

لست كاتبا لكني اكتب حين أشاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *